تخيل أنك وكعادتك تضيع وقتك مع أصدقائك وتخوضون في الحديث كل حول بطولاته وتضحياته وقع نقاشكم حول موضوع معين فأبدى “أقصد فرض في عالمنا العربي” كل واحد منكم رأيه في الموضوع وكان اختلاف كبير في وجهة النظر فتصاعدت حدة النقاش وتحول الأمر إلى جدال وارتفعت أصواتكم، فجأة فقد أحد أصدقائك
السيطرة ونعتك ب”الحيوان” فشعرت بغيض كبير مما بدا لك أنها إهانة كبيرة وأن كرامتك قد حطت في الأرض بتشبيهك بالحيوان …
لكن مالذي يدعوا فعلا للغضب؟!! هو أنك ترى نفسك أفضل من الحيوان… حقااا؟!!!
دعني أحرجك يا صديقي وأسألك مالفرق بينك وبين الحيوان؟!! أو بالأحرى مالذي يجعلك مميزا؟!!
قد يبدو لك الأمر واضحا لكن دعني أثبت لك أنه ليس بتلك السهولة…
قد يتبادر لذهنك المرة الأولى: الذكاء لكن لم يتفق العلماء على معنى دقيق له مالذي تقصده بالذكاء؟؟!
يرى أغلب الناس أن الذكاء هو التفكير التحليلي الذي يقود إلى حل الألغاز وهذا ما يبدو أنه يميزنا على باقي الكائنات لكن أثبتت العديد من التجارب من تتبع سلوك الحيوانات أنّ لديها أيضا القدرة على حل الألغاز منها التجارب الشهيرة التي أجريت على الغربان حيث توضع دودة في دلو ذو فتحة ضيقة به ماء بقربها مجموعة من الحجارة يدخل الغراب منقاره لكنه لا يصل للدودة فيضيف الحجارة كي يزداد حجم الماء والأغرب أنه ينتقي الحجارة الكبيرة كي يكون التأثير واضحا في حجم الماء.
![]() |
تجربة الغراب |
أيضا القردة الشهيرة “ناتاشا” التي فاجأت العلماء بذكائها وقدرتها على التذكر حيث بينت اختبارات الذكاء انها متوفقة جدا وقد تتجاوز أحيانا بعض البشر والتي لقبتها بعض المجلات ب”نتاشا أينشتاين“…
اقترح الباحثون في البداية أننا نتميز باستعمالنا للأدوات في بداية تطورنا لكن تبين فيما بعد تجربة الغربان وأيضا استعمال الدلافين اسفنجات عندما تريد التقاط شيء من قاع المحيط كي لا تؤذي حاسة شمها، بعدها ظنوا أن ما يميزنا هو قدرتنا على التخطيط للمستقبل حتى وجدوا أن بعض الطيور تخزن أغذيتها وتستطيع تذكر أين وضعتها بالضبط حتى بعد مدة…البعض الآخر ظنوا أن ما يميزنا هو ما يسمى بمشاركة النيات يعني قدرتنا على حشد الجموع للحصول على هدف معين كالجيوش وفرق كرة القدم … لكن للأسف وجدوا أن الحيتان تنظم نفسها وتتعاون لتنظيم الصيد وتشاركها القردة التي تتكون من مجموعات وتعتدي على الذكور خارج المجموعة…
![]() |
دلفين يستعمل اسفنجة |
ناهيك عن التشابه الشديد بيننا وبين قردة الشامبانزي وتشابه عمل أعضائنا مع باقي الحيوانات وعدم اختلاف بنية الأعصاب بيننا وبينهم والأبحاث في الجينوم التي تؤكد “DNA” تتشابه الى حد لا يصدق مع الشامبانزي لدرجة تصل إلى 98 بالمئة
عليك أن تجد حلا يا صديق وإلا أصبح كلام صديقك صحيحا…
يقول البروفيسور الشهير في علم الأحياء والأعصاب روبرت سباسكي من جامعة ستانفورد أنه لايوجد فرق كبير بينك وبين الشامبانزي هو أنه أثناء مرحلة تطورك الجنينية زاد انقسام خلاياك العصبية بمقدار ثلاث أضعاف مقارنة بالشامبانزي يعني الفرق الوحيد هو الكمية في الأعصاب التي أعطت النوعية
لكن مالذي جعل هذا العدد يزداد؟؟ وهل فعلا العدد هو ما يعطينا كل هذه الفروقات؟؟ ومالتفسير الذي سيجعل غضبك مبرر لصديقك؟!
اتفق العلماء على فرضية أنه تطلب علينا كي نستطيع البقاء كجنس وسط كل هذه الكائنات الشرسة مع قدرتنا الجسدية والحسية المحدودة والضعيفة هو أن نتعاون و نجتمع في قبائل كي نحمي أنفسنا وتحتم علينا أن نتعامل مع أنفسنا بحيث وجب أن نبتكر “اللغة” بعدها حصل التطور الذي يعتبره العلماء جذري والنقلة النوعية في الجنس البشري، ساهمت اللغة في تنظيمنا حشد الجيوش وتنظيم الحفلات ومشاركة المعلومات والأهم من هذا كله بقاء المعلومات وتكديسها للأجيال الأخرى في شكل الكتابة مما جعلنا الكائنات الوحيدة التي تستفيد من المعلومات التراكمية …
لكن كيف نشأت اللغة؟؟! ومالذي يميزها على اللغة التي تستعملها باقي الحيوانات؟؟!!
إنها نظرية الذهن أو “The theory of mind” يكمن مبدأ النظرية هو قدرتنا على معرفة نوايا غيرنا، أو هو إدراكنا أن الشخص الذي يقابلنا لديه أفكار ونوايا غير مطابقة لنوايانا، والتي ترتكز على ما يسمى بالتفكير الرمزي وهو قدرتنا من التحقق أن شيئا ما يمكن أن يدل أو يوحي عن شيء آخر، ما أيقظ الخيال والتصور في أذهاننا وجعلنا نربط الأشياء التي نراها بأصوات ثم بعد ذلك بحروف للكتابة، وخلق عالم آخر داخل رؤوسنا او بالأحرى قمنا بإدخال هذا العالم في أدمغتنا مما أنشأ التفكير المستقل عن الواقع، لكن الحيوانات بقيت ترى العالم كما هو دون ربط عالم مجرد عن أي فكرة أو معنى عالم خالي من التأويل … أو على حد معرفتنا الآن
تذكر يا صديقي أن تبتعد عن الجدالات