الغيبوبة

1. تشبيه لما يحدث في الغيبوبة

لطالما أخبرك أصدقاؤك أن ولعك الشديد بهذه الشركة سيصيبك بالجنون لكنك كنت دائما تخبرهم أنهم لا يدركون معنى أن تمتلك ال” آي فون” بين يديك ومقدار الفخر والثقة الذي يعتريك عند حمله، ومع أنه كان لديك النسخة الأخيرة للشركة إلا أنك كنت تشعر بالارتياب بعد سماعك لخبر أن الشركة ستعرض منتوج جديد بعد شهر وبما أن ظروفك المادية على الحديد وتعلم أنه لن يعيرك احد النقود كالمرات الماضية لأنك لم تسدد ديونك وفكرة تخليك عن شرائه كانت مستحيلة قررت البحث عن وسائل متاحة لكسب مبالغ من المال بسرعة حتى وجدت أصدقاءك الحقيقيين الذين يفهمون معنى أن تمتلك “آآااي فون “ووجدت قصص مجنونة لأشخاص منهم من باع ابنته كي يحصل على مال يشتري به آخر نسخة للهاتف مع أكسسواراتها ومنهم من باع احدى كليتيه وفتاة حاولت قتل أمها كي تحصل عليه ومنهم من طلبه كمهر لأخته خطرت ببالك العديد من الأفكار لكن ليس لديك ابنة ولم يتقدم احد بعد إلى أختك فبدت لك كليتك فكرة سديدة فماذا ستفعل بكليتين مع أن واحدة فقط ستفي بالغرض، قمت ببحث خفيف على النت ووجدت مشتري وقمت بالعملية وحصلت على النقود وانطلقت قبل عشرين يوم من موعد اطلاق المنتج إلى أمريكا وكنت من الاولين الذين ينصبون خيمات أمام المقر وانتظرت …

وأخيرا تفتح أبواب المقر إنها أبواب السماء إلى الجنان وتحصل على نسختك وتكون من الأوائل في العااالم الذي يستعمله وتعود إلى بلدك لتحكي مغامراتك المجنونة إلى أصدقائك …

لكن بعد أسبوع تحصل الكارثة تستيقظ صباحا لتجد هاتفك مغلق فتحاول أن تشغله دون جدوى من ذلك… تأخذه بسرعة إلى اقرب مصلح للهواتف يفحصه بسرعة يجرب طرق عديدة ثم يقول لدي لك خبرين أحدهما جيد والآخر سيء فتقول له ابدأ بالجيد كل المكونات الرئيسية للهاتف تعمل بشكل جيد لكن المشكل في زر التشغيل لا يستجيب ولم تتوفر قطع منه بعد من الشركة ولأنها تكنولوجيا معقدة لا استطيع العبث به فتسأله وما الحل فيجيب الانتظااار…ومن هول الصدمة التي ستصيبك تفقد وعيك وتدخل في غيبوبة لكن هذه المرة زر التشغيل في دماغك هو الذي سيتعطل… 

2. ماهي الغيبوبة؟؟

فمالغيبوبة؟!! وما الفرق بينها وبين ماحصل للآيفون؟ 

الغيبوبة أو الكوما هي حالة من فقدان الوعي الجزئي أين يفقد الإحساس بالأوضاع المحيطة من مكان وزمان أو كلي بحيث يفقد الوعي تماما مع فقدان بالإحساس بالألم وغياب المنعكسات العضلية… 

يشبه الأطباء الغيبوبة بما يحصل للمرضى في غرفة العمليات بعد التعرض للتخدير والنوم العميق كي لا يشعر المريض بأي ألم أثناء العملية لكن الفرق الوحيد أن التعرض للتخدير يستفيق مباشرة وبشكل آلي لكن الغيبوبة لا يمكن للمناطق المسؤولة عن تشغيل الدماغ بأن تسمح لك بالنهوض أو أن تستفيق يعني يحصل لك بالضبط ما حصل للآي فون الخاص بك بحيث تتوقف المنطقة المسماة بreticular activating system المتواجدة في جذع الدماغ والتي هي بمثابة زر التشغيل الآلي لدماغك عن العمل وتدخل في سبات عميق…

بقيت الغيبوبة رغم التطور الطبي الحاصل معضلة بالنسبة للأطباء فكل ما يمكنهم فعله هو وضعك تحت التنفس الاصطناعي ومراقبة ضغط ومعدل السكر في الدم وتزويدك بالأغذية عن طريق الوريد والبقاء مكتوفي الأيدي ينتظرون… الانتظار لفترة قد تكون ساعات أو أيام أو شهور أو حتى سنوات ويقال أن هناك من تجاوز العشر سنوات…
وحين تستيقظ بعد سنوات من غيبوبتك أول ما ستتذكره هو جهاز الآيفون الخاص بك لن تشعر أبدا بالسنوات التي مرت عليك وكأنك غفوت واستيقظت بعد دقائق وبعدها  تكون الشركة قد عرضت سلسلة جديدة وهاتفك عاد للعمل أما أطباؤك فقد كانوا ينتظرون معجزة كي تستيقظ أنت من هول الصدمة.. 

3. أين تذهب أثناء الكوما؟

لقد كان المتداول بين الناس أننا نموت عندما يتوقف القلب عن العمل فيموت الدماغ وباقي أعضاء الجسم ونفقد وعينا بالواقع وهو تعريف عملي وصحيح إلى حد بعيد لكن بعد دخلت للغيبوبة فقدت وعيك تماما بالواقع وتوقفت عن الحركة وغابت كل المنعكسات العضلية فلماذا لم تمت؟!! ليس الموت فقط أين ذهبت كل هذه المدة؟!! وكيف خرجت من حدود الزمان والمكان كي تستيقظ بعد سنوات وكأن شيئا لم يكن؟!! وهل الزمان والمكان مستقلان عن شعورنا أم أن لهما ارتباط وثيق بذاكرتنا وخيالنا؟!

قد تبدو لك الإجابة بديهية أنه كونك في غيبوبة هو شعور مشابه للنوم فنحن نقضي أكثر من ثلث أعمارنا نائمين لكننا نقع أمام نفس الإشكالية هل تساءلت يوما أين تذهب أثناء النوم؟!! أعلم انك لا تتساءل …

إنك تشعر أثناء الحلم وكأنه واقعي جدا وحقيقي ويستجيب جسمك وحواسك وكأنك على ارض الواقع ماذا لو عبثنا أثناء نومك بزر التشغيل وبقيت نائما لسنوات وأنت داخل حلم كيف ستعرف أنك داخل حلم؟!! فكل شيء يبدو واقعيا وتفاعلك مع أحداث الحلم واقعية هل ستستطيع التذكر أنك كنت نائم وأنك تحلم …

والسؤال الأهم الآن مالذي يمنع أننا الآن في حلم كبير؟!!