Table of Contents
هل تساءلت يوما كيف تعمل حاسة السمع لدينا؟
1. قصّة:
لا شك أنك وقعت يوما في أحد المقطوعات الموسيقية التي هزت روحك وأطربت كيانك منسية إياك كل مشاكل يومك وهمومك، موسيقى تشعر أنها أخذتك إلى عالم الأحلام وأخرجتك من حدود الزمان والمكان فتوقف المسجل قليلا كي تتأمل ما فعلته بأنحاء جسمك في هدوء، ليدخل صديقك العزيز وهو يصيح بأحد مقامات صباح فخري ذات الطبقات العالية فيتشوّك جلدك وينغلق حلقك وتشعر بألم شديد في رأسك نتيجة الصدمة وكأن دماغك يناجيك لتسكته، لكن هيهات… لن يستطيع سماعك إنها نقطة اللاّعودة فيخرجك من عالم الأحلام إلى الكوابيس وتفقد الموسيقى الأولى أثرها عليك فتنتظر بشغف أن ينهي صديقك مقامه وتجامله لأن رأيك لا يهمه على كل حال …
هذا التفاوت بين الصوتين جعل له تأثير مختلف عليك وعلى مشاعرك، تأثير تغير لحظيا من الطرب والهدوء والسكينة إلى التقزز والانزعاج والضجر…
2. كيف نسمع الأشياء؟
فما الآلية التي تستطيع بها آذاننا التقاط الأصوات ونقلها للدماغ؟!! كيف يستطيع الدماغ قراءتها وتحويلها؟!! وكيف تتأثر مشاعرنا بالأصوات؟!! وهل يمكن أن تعبث أدمغتنا بما نسمعه وتؤثر في حاسة السمع لدينا؟!!
على عكس الضوء يتطلب الصوت المادة” الجزيئات والذرات” كي ينتقل، أي أنه لا يستطيع الانتقال في الفضاء الخارجي لانعدام وجود المادة، وكل ما فعله صديقك العزيز هو أنه أثار اهتزازات بأحباله الصوتية فتصطدم الجزيئات ببعضها وتنتقل هذه الاصطدامات على شكل موجات في الهواء، تصل الموجات إلى الأذن” التي تعتبر مع الجهاز السمعي من أعقد الأجهزة في الجسم” ويلتقطها غلاف الأذن أو ما يسمى بالصيوان بمساعدة شكلها المخروطي والالتواءات تتركز الموجات لتصل إلى الطبلة أو ما نسميها بالعامية الغربال وهي اسم على مسمى “طبلة”، تبدأ الجزيئات بالتطبيل في أذنك فتهتز الطبلة وتحرك ثلاث عظام الأصغر في الجسم فتحول الاهتزازات إلى طاقة حركية تحرك العظيمات، وتطبل هذه العظيمات بدورها
الأذن الداخلية التي تحتوي على سائل محاط بخلايا ذات شعيرات فتتراقص الشعيرات بناء على اهتزاز السائل، ونتيجة لتحرك الشعيرات تدخل شوارد للخلايا فتنشأ رسالة عصبية
تمر عبر العصب السمعي في طرق ملتوية وطويلة إلى الدماغ يترجم دماغك هذه الرسائل العصبية والتي بدأت عن طريق موجات ثم تحولت إلى ميكانيكية حركية ثم إلى كهربائية ليخبرك
ويناجيك أن تضع حدا لهذه المهزلة التي يفعلها صديقك العزيز بك…
وما قد يبدو غير مألوف أيضا أنّ موجات الصوت يتم قراءتها أيضا عن طريق عظام الرأس (لكن بنسبة قليلة) دون المرور على الأذن الخارجية خاصة العظم الصدغي الذي يحمل الأذن الخارجية، حيث بالرغم من أن بيتهوفن كان فاقد لسمعه فقد استعمل شريحة معدنية يلصقها بهيكل البيانو ويقوم بعضها بأسنانه لينتقل الصوت عبر العظم ويؤثر مباشرة في الأذن الداخلية محدثا إهتزازت في السائل وانتقال الرسالة العصبية …
يستطيع الانسان التقاط موجات من 20 إلى 20 ألف هيرتز، بحيث أي صوت خارج المجال يستحيل على الأذن البشرية تحسسه، بينما الدلفين يستطيع سماع حتى موجات تصل إلى 120 ألف هيرتز أي أقوى بست مرات من حواسنا ولديه جهاز سمعي متطور جدا رغم أنه لا يملك أذن خارجية، فيما يستطيع الكلب السماع أفضل بمرتين من الانسان ويرجع التطور في حاسة السمع لدى هذه الكائنات إلى رقة الطبلة وتحسسها الشديد للذبذبات القصيرة والأكثر حدة وإلى العظيمات الصغيرة المتطورة والدقيقة في الأذن…
كما لا تحتاج الحشرات إلى أذن خارجية ولديها أجهزة أكثر تأقلما مع بنيتها كي تستطيع التقاط الأصوات، وأوجه التشابه بين أغلبها هو احتواؤها على شعيرات رقيقة جدا في أقدامها وبعضها في كامل أنحاء الجسم تستطيع بها تحسس الأصوات…
3. الفلسفة وراء ما نسمع من أشياء:
هذا الاختلاف بين الآليات التي تستعملها الكائنات لالتقاط الأصوات والسمع وقراءة الواقع يجعلنا نتساءل هل نسمع معها نفس الأصوات أو بالأحرى هل طريقة ترجمتنا لهذه الأصوات مشابهة لباقي الكائنات؟!! مالذي ينفي أنّ ربما العنكبوت في الحائط كان يستمتع بغناء صديقك وصيحاته ويصفق له وأنّ الذبابة كانت تتراقص جيئة وذهابا على مقاماته وأنّ الصرصور كان يعزف له؟!!
ومع كل هذه الاختلافات بين حواسنا وباقي الكائنات يبقى الدماغ البشري هو السيد والأعقد على الاطلاق فهو ليس مسؤول فقط على ترجمة الرسائل الكهربائية وعرضها لنا على شكل أصوات فحسب، بل يمكنه أيضا تصفية الأصوات وتحديد المهمة من غيرها بحيث يلتقط جميع الرسائل الكهربائية ويحدد ما قد تشكل تهديد لك، وإذا لم يجد يقوم بإلغاء كل الأصوات
الخارجية ويسمعك فقط ما تركز عليه، يعني الآن وأنت مركز معي ” على اعتبار أنك كذلك” هناك أصوات تدور حولك ضجة أو صراخ أخيك الصغير أو صديقك العزيز كل هذه الأصوات قد انتبهت لها وأنا أخبرك بها الآن لكنها كانت ملغاة وقد تم تطوير هذه الخاصية عبر آلاف سنين كي يستطيع دماغك التقاط أي صوت غير معتاد باعتباره كتهديد، لكن رغم ما تبدو عليه هذه الخاصية من نقاط قوة إلا أنها تجعلنا نحتار عن الطريقة التي يعمل بها دماغنا وعن كونه قد يتلاعب بما يعطيه لنا من معلومات وتراجم، إذا كان الدماغ يستطيع إلغاء الأصوات والتلاعب بها مالذي يمنع أنه يتلاعب بباقي حواسنا؟!! بل ومالذي يمنع أنه يتلاعب بكل أفكارنا ومعتقداتنا وطريقة نظرتنا للعالم؟!! وأنه يرينا فقط ما نريد أن نراه وليس ما نحتاج أن نراه …
Comments 2