Table of Contents
في هذا المقال سنتطرّق لأهم التشوهات المعرفية التي حدّدها علماء النفس وتسبب القلق والاكتئاب
1. قصّة:
أعجبني ذلك الردّ كثيرا، علقتُ ضاحكا: هذا رد عميق جدا… كان الجو غائما بعد كل العواصف الرملية ذلك الأسبوع، تذمرت أمي من نافذة السيارة التي يكسوها الغبار مع نقاط المطر التي ألصقت التراب في النافذة، متسائلة: لماذا لاتمسح النافذة كي تتضح الرؤية جيدا لا أرى شيئا من هذه النافذة المتسخة،
ضحك خالي الذي كان يمسك المقود وأجاب: لماذا تركزين على التراب ركزي على ما وراء
النافذة…
بعد سنوات من الحادثة، لازلت أذكر جيدا تلك الكلمات لأنّ فهمها الآن هو ما شكل فارق في حياتي، لقد كنت طوال سنوات اكتئابي أركز على الشوائب في النافذة ونسيت أن الحقيقة والطريق والواقع هو ما يقع خلف النافذة وليس النافذة نفسها أو الأتربة التي عليها.
نتعرض في حياتنا للكثير من المواقف التي قد تخرجنا من رتابة مشاعرنا لنشعر بعدها بحزن شديد أو غضب أو ألم أو خوف أو فرح وسرور وحب، من فشل أو نجاح أو خسارة علاقة أو زواج يتقلب مزاجنا ككرة قدم بين أرجل الظروف، لكننا لم نُعر يوما أهمية لما نشعر به ونتساءل مالذي يتحكم بمشاعرنا؟ هل هي الظروف حقا؟ هل ما يحدث داخلنا هو نسيج عن الخارج أم العكس
2. أهم عشر تشوهات معرفية:
حاول علماء النفس في العقود الماضية من خلال دراسة المرضى الذين يعانون من اكتئاب والخوف والقلق المزمنين، البحث وراء جذور المشاعر وإيجاد العوامل المشتركة التي أدت بهم إلى المشاكل النفسية، حتى اكتشفوا شيء خطير قلب موازين هذا العلم وغير نظرة العلماء للطريقة التي نفكر ونشعر بها، وهي أنّ أغلب المرضى النفسيين يشتركون في طرق تفكير معيّنة أدّت بهم إلى الاكتئاب والقلق المزمن، وأنّ السبب الرئيسي لم تكن الظروف الخارجية بقدر ما كانت ترجمتنا للأحداث والنظارات المختلفة التي كانت تلوّن لنا ما نراه، ومنه ظهر العلاج السلوكي المعرفي واستخرج أكثر عشر أخطاء تفكير وسميت بالتشوهات المعرفية التي تسبب أغلب المشاكل النفسية التي نتعرض لها والتي بالعمل عليها سيتحسن مزاجك في مدة وجيزة…
3. المبالغة في التعميم “Overgeneralization“:
هو أن تأخذ موقف معيّن أو فشل وتعممه في كل حياتك وتتوقع حدوثه دائما في المستقبل وتصاحبها بعبارة “دائما أو أبدا”، مثال تفشل في علاقة فتقول لن أنجح في تكوين علاقة أبدا، أو يقول لك أحدهم كلمة سيئة فتعممها وتقول أنا دائما أتعرض للإهانة أو تفشل في الاختبار وتقول لن أنجح في الدراسة أبدا…
4. الكل أو اللاشيء“Allor Nothing”:
وهي الرؤية القطبية إمّا الأبيض أو الأسود ولا تدرج لوني بينهما، التفكير المتطرف، أقصى اليمين أو أقصى الشمال، ولا وسط بينهما، يتبنى صاحبها الشخصية المثالية ولا يقبل دون ذلك، مثال أن يقول الطالب عن نفسه إمّا آخذ العلامة الكاملة وأطلع الأول في الصف أو أنا فاشل، أو يقول الرياضي إما أحطم الرقم أو أنا فاشل، هذه الطريقة تخلق الشخصية المثالية وتصبح أكبر عائق للفرد لتحقيق أهدافه…
5. التصفية العقلية“Mental Filtering”:
كأنك تضع نظارات تريك كل شيء سواد، أو تستعمل غربال يدع الأفكار السلبية فقط تمر، وهي أن تأخذ تفاصيل سلبية من حدث معين وتركز عليها وحدها وتراها هي فقط حصريا، مثلا تضع منشور في الفيس بوك وتأتيك عشرات التعليقات الإيجابية وتعليق واحد سلبي وناقد فتنسى العشرات من التعليقات الايجابية وتركز في
التعليق الوحيد السلبي وتفكر فيه طول الوقت، أو شخص تكون معه في علاقة جيدة ويقوم لك بعدة خدمات ومجرد تحدث مشكل بينكما تنسى كل إيجابياته وتركز فقط على ذلك الحدث.
6. التغاضي عن الايجابية“Discounting the positive”:
تقوم برفض كل الايجابيات التي تحدث لك وتصر على أنّها ” غير مهمة أو لا تحسب…” كأن تقوم بعمل أو شغل ثم تقول هذا غير كافي أو تنقد نفسك وتجلد نفسك بأنّك لم تنجز بما فيه الكفاية رغم المجهود الكبير الذي بذلته أو تخرج في رحلة ممتعة مع أصدقائك وبمجرد حدوث شيء سلبي أو جدال تنسى كل الأمور الايجابية وتقول فسدت الرحلة…
7. القفز إلى الاستنتاجات“Jumping to conclusions”:
وتنقسم إلى قسمين:
الأول: قراءة الأفكار“Mind Reading”: هذه الطريقة في التفكير تؤثر في علاقاتك بشكل سلبي، وهي أن تقوم بقراءة أفكار الآخرين والبحث خلف نياتهم وراء الأشياء، كأن تقول فلان قال لي يا جميل هو يقصد بها أنني بشع أو تقول فلان ينوي بي سوءا، هذا كلّه دون التحقق من نيّته وفتح حوار معه.
الثاني: التنجيم”Fortune-telling“: وهي أن تتصرف وكأنّك عرّاف ورأيت الكرة السحرية وتوقعت الأسوأ في المستقبل، مثلا قبل الاختبار تتوقع أنّك لن تستطيع الإجابة على الأسئلة أو قبل الاجتماع تتوقع أنّك سترتبك وتنسى ما ستقوله هذا سيجعلك عرضة لتوتر شديد وقلق وضغط …
8. التهويل والتصغير ““Magnification or Minimization:
وهو تهويل التحديات والمشاكل التي تواجهها في مقابل تصغير نفسك وتصغير قدراتك في مواجهتها، ورؤية الأمور بنظرة كارثية وكأن حياتك ستنتهي بحلولها واستخدام عبارة “انتهى أمري، كارثي، ويلي…” أو المبالغة في تقدير ألم العلاج أو الدواء مع تصغير نفسه أمام مواجهة الألم.
9. الاستنتاج المبني على العاطفة “Emotional reasoning“:
هو ظنّك أن المشاعر السلبية التي تشعر بها تعكس يقينا ما يحدث أو ما سيحدث في الواقع، مثلا كأن تقول ” أشعر بالقلق من السفر بالقطار، ومنه السفر بالقطار خطير جدا”، أو تشعر بقلة التقدير الذاتي فتقول أنا لا أساوي شيء، أو تشعر بقلة الاهتمام فتقول لا أحد يهتم بي…
10. اللزوم “Shoulds“:
هو أن تقول في نفسك أنّ الأمور يجب أن تسير كما توقعت أنت أو كما تراه أنت، وهو كالسجن الداخلي الذي تحيط نفسك بقواعده، كأن يقول عازف غيتار موهوب بعد أن ينهي عزفه يجب أن لا أخطئ أبدا هذا يضعه في ضغط شديد يجعله يتوقف عن التدريب لأيام…
اللوازم التي توجهها لنفسك تؤدي بك إلى الشعور بالذنب والحيرة كأن تقول يجب أن أتصرف بهدوء ومجرد تتصرف بحماس أو بغضب قليلا تشعر بذنب
شديد وحيرة من تصرفك هذا يؤدي بك إلى ألم أكبر…
اللوازم التي توجهها لغيرك والعالم تؤدي بك الغضب والحنقة والحيرة كأن تقول الناس يجب أن تتصرف بأدب مع بعضها ومجرد تشاهد يخالف لوازمك تشعر بغضب شديد واحتقان وكأنك تريد تسيير العالم على قواعدك أنت …
العديد من الناس يستعملون اللوازم لتحفيز أنفسهم كأن يقول أحد يجب أن أعمل بجد أكبر أو يجب أن أقوم بريجيم حاد لكن هذه لا تعمل في الغالب لأنّها ستخلق مقاومة للدماغ الذي يفضل العمل بمبدأ المكافأة وليس العقاب وهذا سيعيقك أكثر لتحقيق أهدافك.
11. التصنيف “Labeling“:
يمثل نمط التفكير الأكثر تطرفا من “الكل أو اللاشيء”، والأصعب في التعامل في التشوهات المعرفية، وهو الحكم على نفسك وحياتك بناء على فعل معين سلبي، فمثلا عوض القول أنك ارتكبت خطأ تقول ” أنا فاشل” أو عوض القول أنك تصرفت بعصبية تقول “أنا عصبي” أو تخطئ وتقول كلمة سلبية في جماعة فتخاطب نفسك وتقول “أنا أحمق” …
وقد تستعمل هذا التفكير السلبي مع غيرك وتسميهم وتحكم عليهم بناء على فعل كأن يخطئ أحدهم ويقول لك كلمة سلبية فتصنفه ب”حقود أو عصبي أو غبي …”.
المشكل في هذه الطريقة أنك لا تفصل بين الشخص وطريقة تفكيره أو سلوكه هذا الخلط يؤدي إلى حواجز عقلية وشعورية بينك وبين أي شخص ويحد من
تواصلكم وبالتالي علاقتكم.
12. الشخصنة واللوم “Personamization and Blame“:
الشخصنة: تحدث عندما تحمل نفسك مسؤولية أمر لم يكن أبدا لك علاقة به أو خارج عن يديك، مثلا أم تأتيها نتيجة سقوط ابنها في المدرسة فتقول أنّها أم فاشلة بسبب سقوط ابنها أو عندما يتصرف ابنها بسوء أمام البالغين تلوم نفسها على ذلك السلوك الذي هو تصرف طبيعي للطفل وتلوم نفسها أنها لم تعرف تربية ابنها، أو عندما يتعرض أحد العمال لعنف لفظي شديد وسب من مديره ثم يلوم نفسه أنّه السبب ولم يكن يجب أن يغضب المدير ويرمي كل المسؤولية على نفسه…
اللوم: يمثل عكس الشخصنة وهي أن تلوم الآخرين على كل نتيجة ومشكلة تحدث لك ويفترض أن تتحمل مسؤوليتها، كأن يرمي زوج سبب مشاكله الزوجية كلّها على زوجته ويحملها كل المسؤولية بسبب عصبيتها ونكدها، أو يلوم الطالب أستاذه ويحمله كل مسؤولية فشله في الاختبار، في الغالب لا تنجح هذه الطريقة في اللوم لأنّ عندما توجه اللوم لأحدهم يرد إليك نفس اللوم وتتقاذفونها بينكم كلعبة التنس…
هذه كانت أكثر التشوهات المعرفية والمغالطات في التفكير التي يستعملها الناس، قد تكون تستعمل بعضها أو كلّها وأنت تخاطب نفسك أو تتعامل مع غيرك، يمكنك حتى ملاحظة هذه الطريقة في غيرك لكن أريدك تركز مع نفسك، هذه أخطاء التي يستخرجها لك المعالج السلوكي المعرفي ويساعدك في تحديدها، وكجزء من علاجك النفسي أريدك أن تستعمل هذا الجدول بشكل يومي، هذه الطريقة فعّالة جدا لدرجة لا تتصورها في تغيير تقلبات مزاجك ومعرفة سببها وستلاحظ الفرق بعد أقل من أسبوعين إذا تقيدت به بشكل يومي، والتي ذكرها الخبير ديفيد بيرنز في كتابه الشهير “شعور جيد”
-
أولا: حدد الموقف الذي يغير مزاجك سواء كان سبب لك حزن أو قلق أو خوف أو غضب أو
فكرة خطرت على بالك، حاول أن تكون دقيق في تحديد واستخراج الأفكار التي تصاحبها. -
ثانيا: سجل مشاعرك السلبية واعطها تقييم في مقياس من واحد إلى مئة حسب درجة حدتها
…
- ثالثا: الجزء المهم من العملية “تقنية الجدول الثلاثي” أرسم جدول مماثل واكتب فيه مثلا:
الأفكار العشوائية | التشوه المعرفي المصاحب | الرد منطقي والواقعي |
-إذا تحصل ابني على علامة سيئة في الاختبار فهذا يعني أني أب فاشل. | -التنجيم، الشخصنة، التصنيف. | -هذا تفكير غير منطقي، ابني لم يجتاز اختباره بعد وقد ينجز جيدا في الاختبار، وحتى إن حصل على علامة سيئة فلا يعني أني أنا السبب فهو لا يحب هذه المادة وقد يكون الاختبار صعب جدا، ثم أني لست فاشل في تربيته فأنا أشجعه في كثير من الأحيان أحاول تقوية ثقته في نفسه وتطوير ما يحب من هواياته… |
– رابعا: أعد تقييم مشاعرك من جديد بعد أن قمت بالرد المنطقي والواقعي على فكرتك واعط درجة من 1 إلى 100 وقيم كيف أصبح شعورك الآن …
لاحظ كيف يمكن استخراج العديد من الأخطاء في التفكير من فكرة واحدة وجملة واحدة والرد الواقعي والمنطقي عليها، وكيف أن ممكن طريقة تفكير تشوه لنا الواقع وتودي إلى تغير مزاجنا، التزم بهذه التطبيقات لمدة اسبوعين وسترى الفرق في مشاعرك ومزاجك…
بعد أن علمت أخطاء التفكير والتشوهات المعرفية إليك أهم عشر طرق نفسية فعّالة للتعامل مع هذه التشوهّات المعرفية وعلاج القلق والاكتئاب في هذا المقال
مدونة رائعة ومفيدة حقا …
مقال راائع
اتمنى ان تكتب لي اسماء المصادر التي اعتمدت عليها لانني في صدد تحضير بحث وشكرا