Table of Contents
1. عاداتنا الغذائية:
هل تساءلت يوما عن تأثير الغذاء على الصحة النفسية والدماغ ؟؟ هل يمكن أن يكون غذاؤك وعاداتك الغذائية هي أكثر الأسباب لإصابتك بالاكتئاب والقلق؟؟ كيف يؤثر الغذاء على الدماغ والأعصاب؟؟ وماهي أكثر الأغذية التي تدمّر دماغك وتؤدي إلى إصابتك بالأمراض النفسية؟؟
“تضاعف عدد المصابين بالأمراض النفسية في السنوات الأخيرة تناسبا مع تضاعف استعمال الأدوية النفسية… إذا كان هذا العلاج فعّال ومفيد فعلا، ألا يجب أن تتناقص نسبة هذه الأمراض والأعراض والإعاقات الناتجة عنها مع مضاعفة الأدوية النفسية عوض تزايدها؟؟! “
كان هذا سؤال طرحته البروفيسورة الكندية جوليا روكليدج المختصة في الأمراض النفسية وعلاقتها بالغذاء في جامعة كانتربيري في نيوزيلاندا في محاضرة لها على منصة TED Talk.
نمر في حياتنا اليومية بتقلبات مزاجية مختلفة بين حزن وملل وفرح وحماس وغضب، تتراقص المشاعر داخلنا دون أن ندرك أو نعي الرسائل والاشارات التي توحي بها، والمراكز التي تتحكم بها، والاسباب النفسية والجسدية التي أدت إليها، فنتجاوز الاشارات الحمراء غير مبالين بأهميتها، لنصطدم مع مرور الأشهر والسنوات بمشاكل صحية ونفسية حادة وإعاقة ذهنية كالاكتئاب أو القلق المزمن أو نوبات الهلع وغيرها من الأمراض النفسية…
ما لم نتوقف قليلا، وننظر إلى الوراء، باحثين بكل صدق عن السبب الذي أودى بنا إلى هذه النتيجة، وإعادة المشاهد التي تتكرر في حياتنا، ما نفعله كل يوم، غافلين عنه، متناسين أهميته، غاضين بصرنا عن تأثيره… هل علمت عمّا أتكلم؟؟ نعم إنّه الغذاء.
كثيرا ما سمعنا عن الغذاء الصحي وأهمية التغذية السليمة لصحة الجسم، لكن لم يتم تناول علاقة الغذاء بالنفسية، هل يؤثر غذاؤنا في نفسيتنا؟؟! وهل يمكن أن يكون غذاؤك اليومي هو أحد أهم أسباب إصابتك بالاكتئاب والقلق المزمن ونوبات الهلع وتقلباتك المزاجية الحادة؟! كيف يؤثر الغذاء في مزاجنا ونفسيتنا؟!ماهي الأغذية التي تتناولها بشكل يومي وتتحكم في نفسيتك ومزاجك وتصيبك بنوبات حزن أو قلق أو وحدة دون تنتبه؟؟ مالمراكز المسؤولة عن المشاعر لدينا وكيف تؤثر فيها عادات غذائك؟؟ ماهي أهم أسباب الأمراض النفسية؟ ولماذا نصاب بالاكتئاب والقلق؟؟
2. إحصائيات صادمة عن الأمراض النفسية:
تزايد عدد المصابين بالأمراض النفسية في السنوات الأخيرة بحيث قدرت منظمة الصحة العالمية أنّه بحلول عام 2020 سيصبح الاكتئاب المرض الثاني في العالم الذي يشكل خطرا على حياة الانسان، وتضاعف عدد المصابين بالأمراض النفسية عامة بحيث 1 من كل 5 أشخاص يعاني من مرض نفسي و1 من كل 25 شخص يعاني مرض نفسي خطير، 20% من سكان أمريكا يعانون القلق العام، والخبر السيء أن هذه الاحصائيات تتزايد بشكل سريع ومقلق في السنوات القادمة، مما يستلزمنا معرفة خطورة الوضع والأسباب المؤدية إليه وطرق علاجه.
3. الدماغ البشري:
يعتبر الدماغ البشري أعقد عضو في الجسم من حيث الدراسة، وتشعب وأهمية دوره في تنظيم وتنسيق مختلف الأعضاء الرئيسية في الجسم ودوره الرئيسي في الوعي والتفكير، يتكون من عدة مراكز عصبية ومئات ملايير الخلايا العصبية مرتبطة ومتصلة ببعض متعاونة في بينها لتحقيق الوظيفة الكلية الشاملة له والجسم، يستهلك الدماغ لوحده أزيد من 20 % من طاقة الجسم، وأي خلل أو إصابة في أحد مراكزه تفقد الجسم الحس أو الحركة وتناسق الأعضاء أو تؤثر في النفسية والتفكير المنطقي، وكالسيارة يحتاج الدماغ وقود دائم كي يحافظ على نشاطه وحماية الأعصاب وتجديدها والحفاظ على الليونة العصبية وانتاج النواقل العصبية المسؤولة على نقل الرسائل العصبية بين الأعصاب.
تعرّف الليونة العصبية أو اللدونة العصبية على أنّها قدرة الدماغ على التغيّر والتأقلم مع الظروف الخارجية والداخلية وتغيير بنيته ووظيفته ليتوافق ويتأقلم مع هذه الظروف، أي أنّه يحدث تغير مستمر في الاتصالات بين الأعصاب والمراكز العصبية كل مرة وهذا ما يفسر تحسن مهاراتك في تعلم شيء جديد كآلة موسيقة أو الرسم أو الشطرنج، كذلك يتأثر الدماغ بالنفسية ويحدث ضمور وتغيّر في مراكزه والاتصالات العصبية بينها بسبب الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، يعني أنّ دماغك يتغير حرفيا عندما تكون مصابا بمرض نفسي…
4. أسباب الإصابة بالأمراض النفسية والاكتئاب:
السؤال المهم الآن، لماذا نصاب بالاكتئاب والأمراض النفسية؟؟ مالفائدة منها؟؟ كيف يتأثر الدماغ بالوقود الذي نغذيه به؟! أو كيف يتأثر الدماغ بالغذاء؟؟ هل هناك علاقة بين الغذاء والأمراض النفسية؟! مالأغذية التي تناولها بشكل يومي وتسبب لنا خلل في الدماغ؟؟ ومالأغذية التي يجب أن نتناولها بشكل يومي كي نعالج أمراضنا النفسية وتقلبات مزاجنا ونقي أنفسنا منها؟!!ماهو تأثير الغذاء في الصحة النفسية.
أهم خطر واجه الانسان الأول، قبل مئات آلاف السنين، لم يكن الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير ولا الحيوانات الضارية كالسباع والنمور والتماسيح…، بل كان أهم شيء يهدد حياته هي البكتيريا والعدوى.
كان تعرض الانسان لعدوى قوية وحادة يعني بشكل أكيد الموت المحتم، لذا طورت أجسادنا مع مئات آلاف السنوات استراتيجية دفاعية ضد هذه الكائنات الفتاكة بالجسم هي الاستجابة المناعية، تعتبر الاستجابة المناعية الخط الدفاعي للجسم ضد أي كائن متطفل عليه، وبمجرد دخول أي بكتيريا للجسم تتفعل الاستجابة المناعية من خلال آلية تسمى بال”الإلتهاب” فيرتفع في الدم معدل ما يسمى بالسيتوكينات الالتهابية والانترلوكينات، هذه المواد الناتجة عن الالتهاب تحفز ما يسمى بالسلوك المرضي وهو شعورك عندما تصاب بأي مرض كأن تصاب بالحمى، الشعور بالضعف والتعب، الشعور بالدوار، الخمول والكسل، آلام حادة، ضعف التركيز، عدم الرغبة في فعل أي شيء، وعدم الرغبة والقدرة على التواصل مع الآخرين والمشاركة في المناسبات الاجتماعية… من خلال هذه الآليات يمكن للجسم أن يحافظ على الطاقة من خلال جعلك طريح الفراش، وابعادك عن أي مصدر آخر للتوتر أو الضغط أو العدوى، إضافة إلى عزلك عن المجتمع كي لا تنقل العدوى لباقي البشر، وهذه الآلية كانت فعّالة جدا لاستمرارنا ولحربنا ضد أهم خطر واجه البشرية.
الآن دعني أختبر نباهتك، بماذا تذكرك هذه الأعراض “الشعور بالضعف والتعب، الدوار، الخمول والكسل، ضعف التركيز، عدم الرغبة فعل أي شيء*، عدم الرغبة والقدرة على التواصل مع الآخرين والمشاركة في المناسبة في الاجتماعية” ألا يبدو لك هذا مألوفا كعرض مرض آخر؟؟ آهاااا نعم، معك حق إنها نفس أعراض الاكتئاب.
ركز الباحثون في الآونة الأخيرة على البحث في الأسباب المؤدية للاكتئاب حيث وجد رابط بين ارتفاع مواد الالتهاب والاكتئاب، فحقن الدم بالمواد الناتجة عن الالتهاب كالسيتوكينات والانترلوكين 6 أو حتى حقنه باللقاحات ضد الفيروسات زاد من أعراض الاكتئاب كعدم الرغبة في فعل أي شيء والشعور بالعجز واللااستحقاق والنظرة الدونية للذات والرهاب الاجتماعي وحتى التفكير في الانتحار، كما وجد أيضا عند تحليل عينات الدم لدى المصابين بالاكتئاب ارتفاع المواد المحفزة بالالتهاب، ومنه استخلص العلماء أن الاكتئاب يرجح أن يكون آلية استجابة الجسم للالتهاب.
يتكون الدماغ البشري من مئات ملايير الخلايا العصبية التي تتصل مع بعضها في شكل مراكز عصبية وتتعاون بشكل منسق فيما بينها لتحقق الوظائف الضرورية للجسم، تتصل كل خلية عصبية مع الخلية الأخرى من خلال ما يسمى بالمشابك العصبية، تنقل المشابك الرسالة العصبية من خلية إلى أخرى عن طريق النواقل العصبية، وهي مواد تفرز في نهاية الخلية إلى المشبك وترتبط بمستقبلات الخلية الثانية كي تفتح بوابات الشوارد فيمر التيار العصبي.
وجد الباحثون من خلال تكنولوجيا التصوير الحديثة لمناطق ومراكز الدماغ المختلفة ارتباط وثيق بين الأمراض النفسية كالاكتئاب والخلل في النواقل العصبية، يعتبر السيروتونين والنورأدرينالين والدوبامين والغلوتاميت من أهم النواقل المسؤولة على عمل الدماغ، حيث لوحظ أنه بحقن هذه النواقل العصبية لدى المصابين تتحسن أعراض الاكتئاب والقلق النفسي لديهم، وعلى هذا الأساس يتم صناعة الأدوية النفسية التي تزود الدماغ بالنواقل العصبية “كالسيروتونين” الضرورية لعمله وبالتالي تحسن مزاج المصابين بالمرض.
أظنك الآن محتار من كل النظريات التي تحدثنا عنها، والسبب الرئيسي للأمراض النفسية كالاكتئاب، وبالفعل هذه الأمراض هي نتيجة تجمع عدة عوامل كتأثر اللدونة العصبية والالتهاب والنواقل العصبية والتوتر المؤكسد والتوتر وغيرها من العوامل، وإلى الآن الأبحاث جارية للبحث واثبات السبب الرئيسي والفعلي لهذه الأمراض.
5. الأغذية التي لها تأثير في الصحة النفسية وتؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية:
فإذا كانت أسباب الاكتئاب والأمراض النفسية هي هذه العوامل كتأثر اللدونة العصبية والالتهاب و خلل في النواقل العصبية كيف نؤثر بشكل يومي في هذه العوامل وتودي بنا إلى تقلبات مزاجية حادة دون أن ندري؟؟ ماهي الأغذية التي تزيد من حدة هذه العوامل؟؟ وماهو الروتين الغذائي السليم الذي يقينا من التعرض لهذه الآليات ومنه الوقاية من الأمراض النفسية؟!
يتجه الانسان المعاصر إلى ثقافة غذائية استهلاكية مدمرة، بعيدا كل البعد عمّا تأقلمت عليه أجسادنا والفطرة التي جبلنا عليها، أصبح الإفراط في الوجبات السريعة والافراط في الحلو والمالح والدسم والمعلبات والمواد الحافظة، هذا كله صار له تأثير سلبي على الجسم بشكل عام وعلى الدماغ وتلبية حاجياته من فيتامينات وطاقة ومعادن بشكل خاص، أثبتت البروفيسورة في الأمراض النفسية جوليا روكليدج من خلال بحثها وتخصصها في العشر سنوات الأخيرة في علاقة الغذاء بالحالة النفسية أهمية الغذاء والتغذية الصحية بعد دراسات وتجارب وجدت أن علاج المرضى النفسيين بالتغذية السليمة وبحقن نسب من المغذيات في الدم أدى إلى نتائج صحية نفسية أفضل بكثير من الأدوية والتي دعت بدورها إلى إعادة النظر في النظام الذي يعالج به المرضى النفسيين…
بعد هذه المقدمة الطويلة والتي تعمدت فيها التطرق للعديد من المفاهيم وشرحها جيدا كي تستطيع معرفة وربط أهمية الغذاء وتأثيره بل وتطبيق هذه المفاهيم من خلال التغذية السليمة، وبناء على هذه المفاهيم سأعرض أهم تصنيفات الأغذية والمضرة منها في مقابل الصحية.
السكريات:
في دراسات أثبتت أن إدمان السكر أقوى من إدمان الكوكايين! يسيء الناس حاجة الدماغ للغلوكوز بأكل كميات كبيرة من الحلويات ظنا منهم أن هذا يجعلهم أكثر نشاطا، كذلك يكون التركيز والتخوف كله من مرض السكري فقط مع أنّ تأثير السكريات يصيب كامل أعضاء الجسم وتأثيره مدمر على الدماغ… لماذا؟؟
هناك مصطلح مهم جدا يتم التطرق له طبيا عند تناول موضوع السكريات وهو مؤشر نسبة السكر في الدم أو Index glycémiqie هذا المصطلح يعبر عن تأثير غذاء ما ” خبز، حلويات، فواكه…” على نسبة السكر في الدم بعد أن يتم هضمه… ما علاقة هذا بالدماغ؟؟ كلما زاد مؤشر نسبة السكر في الدم لغذاء ما يزيد إفراز الأنسولين في الدم وهو الهرمون المسؤول عن تخفيض نسبة السكر في الدم ونقل الغلوكوز إلى داخل الخلايا، إذا كان هذا مؤشر عالي يتم إفراز الأنسولين بكميات كبيرة جدا فتنخفض نسبة السكر دون المعتاد مما يجعل الدماغ في حالة خطر ويحدث لك تقلب في مزاجك وتشعر بالجوع بعد فترة وجيزة من تناولك للسكريات، هذه التقلبات في المزاج إضافة إلى تحفيز السكريات للالتهاب في الجسم والسمنة تسبب مع طول الوقت أمراض القلق المزمن والاكتئاب…
ما الأغذية التي تحتوي على مستوى عالي من مؤشر السكر في الدم: الخبز الأبيض، المعجنات، الشيبس، البطاطا المغلية، الحلويات والكعك… في دراسة للنساء بعد سن اليأس وجد ارتفاع نسبة الاكتئاب للنساء اللوات تبنين نظام غذائي غني بالمعجنات والخبز والصودا.
في دراسة سنة 2017 تم تحليل بيانات أكثر 23245 شخص من حيث أنماطهم الغذائية، وجد الباحثون أنّ الأشخاص الذين يتناولون نسب عالية من السكريات تزيد احتمالية إصابتهم بالاكتئاب بنسبة 23% بعد خمس سنوات مقارنة بغيرهم…
الالتهاب:
نعم … الالتهاب ليس نوع من الغذاء، لكنني عرضته كي أبين علاقته بالغذاء والأغذية التي تحفزه في مقابل الأغذية التي تثبطه…كما ذكرنا الالتهاب هو استجابة طبيعية مناعية للجسم لأي شيء خارجي لكن كثرة التعرض له قد يودي بأضرار خطيرة على الجسم ويتحول إلى إلتهاب مزمن وقد ينتهي بأمراض خطيرة كالسرطان، إضافة إلى علاقته بالأمراض النفسية كالإكتئاب… أظنك الآن تتساءل مالذي يحفز الإلتهاب؟؟ من أين يأتي الإلتهاب؟؟
1-الاندوتوكسينات:
هي مكونات للغشاء الخارجي للبكتيريا “GRAM-“، في دراسة سنة 2010 تم حقن أشخاص بالاندوتوكسينات فلوحظ بعد ساعات ارتفاع كبير لمواد الإلتهاب مع ارتفاع متناسب لأعراض الرهاب الاجتماعي وأعراض الاكتئاب، يعني أن التعرض لهذه المواد السامة يؤثر بشكل لحظي على الجسم بإحداث إلتهاب مع التأثير على المزاج، السؤال الذي يتبادر إلى ذهنك الآن مالأغذية التي تحتوي على الاندوتوكسينات؟ وهذا ما أجابت عليه جامعة ليسيستر البريطانية في دراسة سنة 2011 وجد أن الأغذية التي نتناولها بشكل يومي تحتوي على نسب من البكتيريا لكن أكثرها تعرضا للبكتيريا بشكل مضاعف هي اللحوم بكل أنواعها، ومع أنّ أغلب البكتيريا في اللحوم تموت بعد غسلها وطهيها وعلى عكس المتوقع تبقى الاندوتوكسينات المتواجدة في الغشاء الخارجي للبكتيريا وتقاوم الحرارة “حرارة الطهي” والوسط الحامضي للمعدة والانزيمات الهاضمة، ليتم هضمها ومرورها للدم وتحدث استجابة الالتهاب، كما أشارت دراسة أخرى سنة 2007 من جامعة ستراثكلايد أنّ وجبة غنية بالدهون كالجبن والدجاج واللحم أدت زيادة نسبة الاندوتوكسينات في الدم أو ما تسمى الاندوتوكسيميا ورجح الباحثون أنّ الدهون الموجودة في اللحوم تجعل المعي أكثر قابلية لامتصاص البكتيريا وتسمح بنقل LPS أو الاندوكسينات عبر الدهون، ودراسة أخرى سنة 1997 من جامعة ماريلاند وجدت أنّه بعد تأثير تناول وجبة واحدة غنية بالدهون تجعل جدار الأوعية الدموية قابل للتصلب وتخفض من مرونته فيصبح أكثر عرضة لتصلب الشرايين وتزيد مقاومة الأنسولين، التأثير على الأوعية الدموية يمثل خطر كبير على الدماغ ويجعله عرضة لانسداد أحد أوعيته الدموية أو ما يسمى بالسكتة الدماغية، وبحث آخر سنة 2010 من جامعة كانساس مانهاتن وجد ارتفاع رهيب للالتهاب في القصبات الهوائية للرئة بعد تناول وجبة واحدة غنية بالدهون مما يؤدي إلى الالتهاب المزمن للقصبات الهوائية والذي يظهر في شكل الحساسية أمراض الربو، هذا التأثير على الجهاز التنفسي إضافة إلى تأثير الالتهاب يجعل الدماغ أكثر عرضة للأمراض النفسية…
2- حمض الآراشيدونيك:
هو حمض دهني ومكون رئيسي لغشاء الخلايا في الجسم خاصة خلايا الدماغ، لكن الجسم يستطيع تركيبه بنفسه لذلك هو ليس بحاجة لتناوله عبر الغذاء، تكمن خطورة حمض الآراشيدونيك عندما يتخرج من الغشاء ويصبح حر أو عندما يتم تناوله، لأنه يعتبر من أهم المكونات لإنشاء الاستجابة الالتهابية وكأنك تصب البزين على النار عبر سلسلة من التفاعلات والنواتج تسمى “الآراشيدونيك كاسكايد” هذه السلسسلة ينتج عنها كل أنواع الأحماض الدهنية المسماة بالبروستاغلاندين والتي بدورها تعتبر المركبات الأساسية للالتهاب، في مقال نشرته مجلة Bipolar Disorders سنة 2004 بكلية الطب النفسي بنيويورك وجد ارتباط وثيق بين ارتفاع معدلات البروستاغلاندين والمرض ثنائي القطب والاكتئاب إضافة إلى مشاكل النوم والأرق، وفي دراسة سنة 2008 بجامعة ماريلاند من خلال أجهزة التصوير المغناطيسي وجد الباحثون ارتباط بين حمض الاراشيدونيك والالتهابات في الدماغ المؤدية إلى مرض الألزهايمر…
أظنك الآن تتساءل أين يتواجد هذا الحمض الدهني بنسبة كبيرة في الغذاء وللأسف نتناوله بشكل مفرط يوميا؟!! حسب المؤسسة الوطنية السرطان الأمريكية أكثر نسب تناول حمض الآراشيدونيك: الدجاج ومشتقاته يحتل المرتبة الأولى ثم يليه مباشرة في المرتبة الثانية البيض ومشتقاته بنسب تتراوح إلى عشر أضعاف الأغذية الأخرى من هذا الحمض الدهني…
3-الأكسدة:
وهي تفاعل كيميائي يتم فيه فقد الكترونات، تحدث بشكل طبيعي في الجسم من خلال عملية التنفس وانتاج الATP والناتج عنها يسمى الجذر الحر أو “”free radical وفي الغالب يكون الاكسجين وهو عبارة عن ذرة فقدت أحد الالكترونات الزوجية في مدارها وتبحث عن الكترون من تفاعلات وجزيئات أخرى، وقد تنتج أيضا من مصادر أخرى مضرة كالالتهابات والتعرض للاشعة والأغذية، هذه الجذور الحرة من أخطر ما يكون على الجسم بسبب الضرر الخطير والمدمر على الخلايا وارتباطها بالالتهاب، فعند انتقال الجذور الحرة في الدم ترتبط بالبروتينات والدهون فتغير بنيتها ويعتبرها الجسم خارجة عن الذات فتهاجمها الخلايا المناعية وينشأ التهاب ينتج عنه جذور حرة أخرى ويصبح التهاب مزمن، إضافة إلى خطرها عند الارتباط بالدنا “DNA”فتحدث طفرات في الخلية تسبب السرطان، والعديد من الدراسات والأبحاث الحديثة أثبتت علاقة الجذور الحرة والأكسدة مع الأمراض منها دراسة سنة 2014 من جامعة جورجيا علاقة التوتر المؤكسد بالإصابة بأمراض نفسية مثل الشيزوفرينيا والاكتئاب والقلق المزمن واضطراب ثنائي القطب، مالأغذية التي تحفز الأكسدة وتزيد الجذور الحرة؟! التدخين، الكحول، المواد الحافظة والأغذية المعلبة، القلي والمنتجات المقلية بسبب أنّ الزيوت عندما تتعرض للتسخين تمر بتفاعلات أكسدة في دراسة يابانية سنة 2016 وجد ارتفاع في نسب الاكتئاب عند العمال اليابانيين الذين تبنوا أكل الخفيف والمقلي كغذاء رئيسي مقارنة بغيرهم، كذلك اللحم خاصة الحمراء عندما تتعرض للتسخين يتعرض عنصر الحديد في اللحم للأكسدة ويتم امتصاصه في الدم…
6. ماهي أكثر الأغذية والعادات الغذائية المفيدة للصحة النفسية والدماغ؟
تحدثنا عن أكثر الأسباب المؤدية للالتهاب والأغذية المصاحبة لها، ماذا عن مضادات الالتهاب؟؟ ومضادات الأكسدة؟؟ ما أكثر الأغذية الغنية بمضادات الالتهاب ومضادات الأكسدة؟؟
بمجرد التوقف عن تناول اللحوم والمواد الدسمة واعتماد نظام غذائي نباتي يتناقص نسبة مواد الالتهاب للنصف كما أشارت دراسة كندية سنة 2003 بمستشفى ميخائيل بتورونتو، وفي دراسة أخرى نشرت في Nutrition Journal سنة 2012 على 39 متطوع توقفت مجموعة عن تناول اللحوم والدجاج والسمك لمدة أسبوعين فلوحظ تحسن كبير في المزاج عند التوقف عن أكل اللحوم، ودراسة أخرى سنة 2013 بجامعة أوتاوا كندا وجدت أن الأشخاص الذين يتناولون الكثير من الخضر والفواكه أقل عرضة للإصابة من الأمراض النفسية كالاكتئاب والتوتر النفسي والقلق المزمن…
أكثر الأغذية المضادة للأكسدة: كل الخضر والفواكه تحتوي مواد مضادة للأكسدة خاصة التي تحتوي نسب عالية من الفيتامين C والفيتامين AوE حسب الدراسات هناك فواكه مميزة بقوة فعاليتها المضادة للأكسدة كالطماطم كما أشارت دراسة في جامعة تيانتين بالصين سنة 2013 على المسنين وجد أنّ الأشخاص الذين يتناولون الطماطم بكثرة في نظامهم الغذائي أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب، كذلك الخضر كالبروكلي والسبانخ والكرنب ونبات الهليون، والحبوب كالعدس والحمص، وأقوى مضادات الأكسدة ومضادات الالتهاب في الطبيعية تتواجد أيضا في التوابل كما أشارات إليه دراسة في سنة 2012 بجامعة فلوريدا التأثير الفعال والملحوظ لكل من القرنفل والزنجبيل والكركم واكليل الجبل في تخفيض مواد الالتهاب ودورها الفعال كمضادات التهاب وأكسدة والحماية من الأمراض النفسية.
النواقل العصبية:
1-السيروتونين:
كما أشرت دور السيروتونين كناقل عصبي مهم وعلاقة النقص في السيرتونين بالاكتئاب والأمراض النفسية، السؤال هنا كيف نزيد انتاج السيروتونين في الدماغ؟؟ لا يمكن للدماغ امتصاص السيروتونين لذا يتم تركيبه داخل الجهاز العصبي، يتركب السيروتونين من حمض أميني يسمى التريبتوفان، وهو حمض أميني أساسي لا يقوم الجسم بتركيبه أي يتناوله من الخارج، أي يجب تناول أغذية غنية بالبروتين كي يتم تفكيكها وامتصاصها وتحويل التريبتوفان إلى سيروتونين.
لكن هناك مشكل… لا يستطيع التريبتوفان المرور عبر حاجز الدماغ بسبب المنافسة مع باق الأحماض الأمينية الأخرى، لذا يتوجب أن تكون نسبة التريبتوفان أعلى من باق الأحماض الأمينية “أو ما تسمى “Tryptophan ratio الأخرى كي يمر للدماغ، وهنا يأتي دور الأنسولين…
عند تناول وجبة غنية بالكربوهيدرات يتم افراز هرمون الانسولين في الدم، ينقل الأنسولين الغلوكوز والأحماض الأمينية الأخرى إلى العضلات وبالتالي تتناقص الأحماض الأمينية الأخرى ويزداد امتصاص الدماغ للتريبتوفان وبالتالي تحويله إلى سيروتونين وهذا هو السر وراء شعورك بتحسن ومزاج جيد بعد تناول الكربوهيدرات…
أظنك الآن تفكر أنّ تناول الكربوهيدرات بكمية كبيرة يساعد على تحسن مزاجك، معك حق لكن هذا على الأمد القصير فقط، خاصة عندما تتناول الأغذية التي لديها مؤشر السكر في الدم عال كما ذكرنا في أعلى المقال يتزايد الانسولين بسرعة ويتناقص مؤشر السكر بسرعة فتحس بشعور سيء بعدها فتأتيك رغبة في تناول الكربوهيدرات مرة أخرى وهكذا تدخل في دائرة سلبية تؤدي بك إلى السمنة… لا يقتصر التأثير السلبي هنا فقط بل بكثرة تناول السكريات والدهون تتراكم الدهون في الجسم هذا يزيد ما يسمى بمقاومة الانسولين من طرف الخلايا وبالتالي حتى بعد تناولك للكربوهيدرات لا تمتص الأحماض الأمينية وتتناقص نسبة التريبتوفان “Ratio”في الدم ويزداد مزاجك سوءا مع مرور الأشهر وتصبح أكثر عرضة للاصابة بالاكتئاب..
في دراسة نشرت في مجلة Journal of Neural transmission سنة 1986 لمعرفة تأثير الأحماض الأمينية وتأثير الغذاء على النفسية وجد تحسن ملحوظ في المزاج بعد أسبوع من التجربة للأشخاص الذين تبنو نظام غذائي نباتي مقارنة بالذين تبنوا نظام غذائي مختلط، يرجع السبب لاحتواء الخضر والفواكه على الكربوهيدرات إضافة إلى احتواء بعضها على نسب عالية من التريبتوفان مقارنة بباقي الأحمض الأمينية، فيما لا يؤثر تناول المنتجات الحيوانية على المزاج بشكل عام رغم احتوائها على الأحماض الأمينية والتريبتوفان لكن نسبة التريبتوفان “Ratio” ليست عالية مما يؤدي إلى عدم امتصاصه في الدماغ…
أكثر الأغذية التي تحتوي نسب عالية من التريبتوفان: في دراسة سنة 2007 بكندا حول تأثير مختلف مصادر التريبتوفان البرتيينية على مرض الرهاب الاجتماعي وجد أن تناول بذور اليقطين لوحظ تحسن ملحوظ في مهاراتهم الاجتماعية بعد مدة الزمن، يرجع السبب إلى احتوائها على نسب عالية من التريبتوفان مقارنة بباقي الاحماض الأمينية…
إضافة إلى بذور اليقطين يوجد أيصا بذور السمسم وعباد الشمس نخالة الشوفان والفاكهة كالموز وجد لها تأثير على المزاج وزيادة السيروتونين في الدماغ…
2– الدوبامين:
أو كما يسمى هرمون الحب والسعادة مسؤول عن الشعور بالحماس والتحفيز والشعور بالانجاز بالرضى، يتركب الدوبامين من الحمض فينيل آلانين، ويتأثر أنظمة الدوبامين في الدماغ بالريجيم أو الغذء الذي نتبعه في دراسة سنة 2009 وجد الباحثون أن تناول أغذية غنية بالدهون بالنسبة للفئران قام بتثبيط مراكز التحفيز النفسي والانجاز في الدماغ، ودراسة أخرى سنة 2013 وجدت تأثير تناول كميات كبيرة من الدهون على الجينات المسؤولة عن تركيب الدوبامين…
ودراسة أخرى سنة 2011 على الفئران وجد أن تناول كميات من الدهون والسكريات لمدة طويلة أثر على المستقبلات العصبية للدوبامين وقلل من حساسية هذه المستقبلات للدوبامين…
هذه المراكز العصبية المسؤولة عن التحفيز والحماس والانجاز تطورت كي تعطينا الحماس والتحفيز كي نخرج للصيد ونعمل فنحصل على مكافأة منها عندما نتناول الطعام بعد يوم طويل من البحث، إذا أعطيناها ما تريده دون تعب فما الحاجة إلى الحماس التحفيز ؟؟!!!
كما بيّنا دور النواقل العصبية في عمل الدماغ وتحسين المزاج وكيف أن تثبيطها يؤدي إلى ضرر بالنفسية بشكل عام، يتواجد انزيم في الدماغ اسمه “MAO” يقوم هذا الانزيم بتفكيك كل من السيروتونين والدوبامين والنورأدريناين في الدماغ ويؤدي تراكمه إلى تغير حاد في المزاج وحتى الى الاكتئاب … اكتشف الباحثون مادة تقوم بتثبيط هذا الانزيم وتعمل على حماية الأعصاب والنواقل العصبية تسمى الفيتوكيميكالز Phytochemicals كما أشار إليه بحث سنة 2012 ودور هذه المادة على حماية الجهاز العصبي والمتواجدة فقط في النباتات…
أخيرا… كان المقال طويل جدا… هذا الموضوع عميق ويتطلب كتاب ضخم لوحده، تعمدت ذكر المفاهيم وشرحها بالتفصيل وعدم طرح فقط أغذية معينة على طريقة” كُل ولا تأكل” لأن تغيير المفاهيم والفهم الحقيقي هو ما يؤدي لتغيير السلوك…
أظن أنّ لديك أغلب المعطيات أمامك لتقرر وتختار نظام غذائك، وتختار صحتك النفسية والعقلية والجسدية وحياتك بعد أن عرفت تأثير الغذاء على الصح النفسية … اختر .
إذا أردت المقارنة بين تأثير الغذاء على الصحة النفسية ومضادات الاكتئاب على الإكتئاب والفرق الرهيب بينهم، إطّلع على هذا المقال
مشكور 🙏
ماشاء الله، ربي يحفظك عدولة 😍😍
واصل واصل و مزيد من النجاحات ان شاء الله.
شكرا لك 🙏
كل التقدير والشكر 🌺🌺🌺