Table of Contents
ماهي المشاعر ومامصدرها ومالغاية منها؟؟ وما علاقتها بما نعتقده ونؤمن به؟؟ وكيف تتحكم بالمنظور للحياة والوجود؟ ولماذا هي مهمّة جدا لبقائنا؟
1. سيناريو 1
سئمتَ من تقديس الناس للغرب وعلومهم وتكنولوجيتهم، وأردت أن تثبت لأهلك والعالم أنّنا أيضا مبدعون وبإمكاننا اختراع روبوتات حديثة ومطورة بنفس مستواهم أو حتى أفضل… ولأنك عصامي قررت دراسة علم الروبوتات لوحدك من مواقع النت وبدأت في تكوين مفاهيم عنها حتى عزمت على البدء في صنع أول روبوت لك، روبوت يحاكي الانسان ويشابهه يستطيع التكلم والمشي والتحرك والتفاعل مع الوسط … وعملت لأيام وليالي حتى أنهيت أول روبوت لك، وأخيرا بعد كل هذا الجهد والعمل الجاد ستستطيع أن ترد اعتبارك أنك مخترع بارع ومبدع …
لكن وقبل أيام من إعلان عملك العظيم حدثت كارثة! خرج الدخان من الروبوت فجأة أثناء تجريبه مما أدى إلى تعطيله وتلف كل القطع الرئيسية التي تشغله، فتحطمت كل آمالك واضطررت لتأجيل الموعد مما أدى لسخرية بعض الناس منك ومن قدرتك على إثبات ما تريده وكلفك هذا مبالغ طائلة بسبب غلاء القطع والعمل المضني …
لكن بما أنك مثابر ولا تستسلم قررت البحث عن سبب العطل، لا بد وأن هناك خطأ ما، لا يمكن للروبوت أن يتعطل هكذا فقط، حتى وجدت أنّ أحد الأسلاك الرخيصة جدا والثانوية قد استهلك لشدة الحرارة بسبب أنّه صنع محلي، هذا السلك بسبب الأنظمة المعقدة في الروبوت والمرتبطة كل ببعضها أدى إلى خلل في أحد الأنظمة الرئيسية التي تشغل الروبوت ومع طول تجريبه واستعماله أنهك الأنظمة الأخرى فتعطلت كلها مرة واحدة دون سابق إنذار…
وبعد الكثير من التفكير المتأني والبحث وجدت الحل للسيطرة على الكارثة التي ستتكرر كل مرة، والتي لم تفكر فيها من قبل، بأنه لا يمكنك منع حدوث العطل بشكل كلي لكن يمكنك أن تتنبأ بحدوثه وبالتالي تستطيع أن تتدارك الخلل الصغير قبل يحدث أضرار بالغة في الروبوت ويتعطل كليا…
لذا قررت إضافة نظام جديد يعمل على مراقبة سير الأنظمة الأخرى وإذا تعطل أحدها يعمل هو لينبهك أن هناك خلل ما، إنه نظام تنبيه أو “آلارم”، والذي طورته في ما بعد حتى استطاع الروبوت نفسه معرفة الخطر الخارجي وتجنبه كي لا يتعطل …
نظام المراقبة هذا لم تكن أول من اكتشفته، أنت فقط نسيت وضعه وكانت النتائج وخيمة وخسارة كبيرة لاختراعك، أي نظام في الكون يحتاج لمراقبة لسيرورته فكيف ستعلم أن سيارتك ستتعطل بسبب صعود في الحرارة إذا لم يكن لديك رقاص الحرارة؟!! وكذلك الحال في جسم الانسان كان لا بد من أنظمة مراقبة كي تنبه عن وجود خلل أو خطر داخلي أو خارجي وهذا النظام هو ما يسمى بالمشاعر …
فماهي المشاعر ؟؟وما مصدرها ؟؟ وماهو الدور المهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا؟!! ومالنظام الفاسد الذي أدى بها أن تتحكم بنا ؟!! وكيف سنستغلها كي ننجز أكثر في حياتنا؟!
2. أهمية المشاعر للبقاء
يوما ما كان على الانسان الصراع من أجل بقاء جنسه، ومع كل التهديدات التي واجهته كان لابد له من نظام مراقبة يساعده وينبهه لأي خطر خارجي أو داخلي فاكتسب هذا النظام من أسلافه الأولى، حيث يراقب هذا النظام بشكل مستمر ودائم ويخبرك بالأوضاع التي تحيط بك والتي تحدث لك في الداخل والخارج وتنبيهك بشكل آني ولحظي من أي شيء غير مألوف قد يحدث في جسمك أو خارجه، وأحيانا قد يتولى هو نفسه القيادة ليخرجك من الخطر، إذن فالغاية الأساسية الأولى من المشاعر هي أنها تعمل على بقائك وحتى بقاء جيناتك من خلال الانجذاب للجنس الآخر وقد تأقلمت هذه الآلية عبر ملايين السنين لتصبح نظام معقد لديه آلياته وميكانيزماته الخاصة في التعامل مع الواقع…
3. كيف يتعامل الدماغ مع المشاعر؟
يتحكم الجهاز العصبي الجذعي في الجسم وهو الجهاز الأولي الذي تحتويه أغلب الحيوانات هذا الجهاز يتحكم في أغلب وظائف جسمك حتى دون علمك أو إرادتك، منها التنفس ونبض القلب وضغط الدم والدورة الدموية وتنسيق الحركة وغيرها من العمليات الأساسية، ثم يقف على رأسه النظام الحوفي أو “اللامبيك سيستام” الذي اكتشف العلماء أنه مسؤول عن المشاعر الأولية والذاكرة ويتعاونان بشكل منسق ومنظم للحفاظ على النظام الداخلي في الجسم وتنظيم ردود الأفعال للخطر دون التوجه أو أخذ استشارتك في الأمر، وهو أمر نشترك فيه مع كل الحيوانات يعني أنه الجزء الحيواني منك أو الجزء العاطفي.
وكي أثبت لك قوة هذا الجهاز ولأنك لا تؤمن إلا بالتجربة ستكون فأر تجاربنا طول هذه المقالة ولنبدأ بأول تجربة…
أريدك الآن أن توقف تنفسك لأطول فترة ممكنة وترى ما يحدث …
.
.
.
هيا توقف عن التنفس لماذا مازلت تقرأ؟!! هل تظن أنك تعرف ما سيحدث… حسنا أنت محق ستعود بشكل لا إرادي بعد أن ينفذ كل الأكسجين من رئتك لمدة دقيقة ونصف إن كنت شخص عادي، ماذا يعني هذا؟!! أنّ نظام بقائك أقوى حتى من إرادتك وأنه يأخذ هو التحكم منك في حالات الخطر والبقاء وأنك مجرد ضيف في هذا الجسد أو هذه الآلة أو الروبوت…
فما قوانين مستضيفك ؟؟ وماهي الأسس التي تقوم عليها المشاعر؟؟ كيف يؤثر تفكيرنا في مشاعرنا؟؟ وأين نحن داخل هذا النظام المعقد ؟!! وهل يمكن أن يأخذ نظام بقائنا كل حياتنا فيسيطر عليها وندخل في حالة طوارئ دائما؟؟!!…
4. سيناريو 2
لقد صرت مخترع بارع، والجميع يشهد لك بهذا، فقررت تحد مهاراتك القيادية وطرحت برنامج انتخابي لولايتك واخترعت جهاز جديد لتعزيز الأمن في المدينة واقترحته للشعب وكان سببا في نجاحك في الانتخابات وأصبحت رئيسا للمدينة…
جلست على كرسي مكتبك الفخم، وباشرت باعطاء أوامر تركيب جهازك الأمني الحديث بحيث قمت باغلاق كل المدينة ووضعت مداخل رئيسية فقط من طرق وسكك ومطارات وركبت كاميرات متطورة جدا داخل المدينة وفي مداخلها بحيث يمكنها التعرف على وجوه كل المواطنين وسجلاتهم والتعرف على الغرباء من المدينة…
ولتعزيز الأمن وضعت شروط صارمة للدخول على أي أجنبي بحيث يضع وثائقه ومعلوماته داخل ماسح وتحلل الخوارزميات التي أسستها سجلّه ويمسحه جهازك وتقارن مع شروطك إذا توافق مع الشروط يدخل إذا لم يتوافق يتم طرده …
ولتلاحظ بنفسك نظام أمن مدينتك وضعت جهاز في مكتبك يحتوي على ثلاث أضواء الأخضر عندما يكون كل شيء على ما يرام والأصفر هو احتمال خطر محدق والأحمر أنّ هناك خرق للنظام داخل مدينتك …
بعد عدة أسابيع تدخل مكتبك لتجد أنّ ضوء الجهاز أحمر!، تستدعي مساعديك للبحث عن سبب المشكلة فيخبرك أحدهم أن الأمور على خير ما يرام في الخارج وربما الجهاز معطل، تعيد التأكد منه فتجده سليما… يقترح عليك آخر أن تقوم بطلاء الضوء الأحمر بالأخضر وتنتهي المشكلة، فتقرر طرد الغبي من حاشيتك وتنزل للشارع لتعرف سبب العطل حتى تجد مظاهرات مناشدة بغلاء الأسعار منذ عهدتك بسبب تضييقك للمداخل بالمدينة ونقص التبادلات التجارية الخارجية وكذلك تسلل بعض اللصوص من النظام الذي لم يستطع تحديد خطورتهم ولجوء بعض سكان المدينة الأصليين للعنف والسطو المسلح دون أي رقابة من نظامك وجهازك المتطور الذي لم يستطع تتبعهم..
لقد كنت تثق في جهازك الذي صنعته وعلمت أنه مادام الضوء الأحمر يشتغل فهناك مشكلة ولم تثق في حاشيتك، لذا كان عليك تغيير مستشاريك الفاسدين وإعادة برمجة الجهاز وابتكار نظام أمني داخلي لمعرفة اللصوص الداخليين وسجنهم وأن حل المشكلة يكون دائما من جذورها وليس صبغ اللون الأحمر بالأخضر …
5. المشاعر ومعتقداتك
لقد كنت يا صديقي يوما ما طفلا صغيرا، طفلا لا يعلم شيئا عن الحياة، واستمر دماغك في النمو والتعلم واكتساب معارف وخبرات جديدة في الحياة، ونشأت في أسرة ومجتمع تشبعت من مفاهيمهم وأجبت من خلالهم على كل الأسئلة التي تراودك عن الحياة والموت والانسان وتقيدت بعاداتهم وتقاليدهم كوسيلة لتجابه بها ظروف العيش وتعرف بها أصلك ومن تكون وما مصيرك في هذا العالم، فأصبحت هذه العادات والتقاليد والمفاهيم المصاحبة لها والتي حرصت أسرتك على إرضاعها لك وتطعيمها لك غصبا عنك هي نظامك الأمني، وتكونت دائرة راحتك الفكرية والشعورية حول هذا النظام ورُوّض دماغك على هذه المفاهيم والأفكار وبنى عليها أسس وأعمدة للتفكير المنطقي.
إن نظام التفكير لديك هو مدينة ضخمة تحتوي أنظمة ومؤسسات متنوعة وشعب وتبادلات وأنت رئيس هذه المدينة، أما نظامه الأمني فهو مشابه للجهاز الذي اخترعته لكنه أصلي في دماغك، هذا الجهاز همه الوحيد أن يبقيك بأمان مهما كلفه الأمر، إنّها غريزة البقاء في كل المخلوقات، وإشاراته الحمراء والصفراء والخضراء هي المشاعر، فالمشاعر تابعة لنظام مراقبة يحلل كل الأحداث ويخبرك على أساسها أنها موافقة لنظامك الأمني أم أنها تشكل خطرا على الشروط الموضوعة التي تسير هذا النظام…
وكي أربط لك هذه المفاهيم مع المثال فنظام التفكير لديك هو المدينة الضخمة التي ترأسها أنت، والشعب الذي ترأسه هو أفكارك التي تعودت عليها، والغرباء الزائرون للمدينة هي الأفكار الجديدة الغير مألوفة، وحاشيتك هي خبرتك في الحياة وملخص ما أخبرك مجتمعك أنه الحياة، والجهاز الأمني هي المشاعر التي تخبرك بشكل آني ما يحدث داخل هذه المدينة، أما الشروط التي تسير هذا الجهاز فهي المعتقدات والمسلمات التي تؤمن بها…
6. المشاعر والجماعة
قبل بناء الحضارات كان الانسان الأول يعيش في الكهوف والأكواخ ويعتمد الصيد كوسيلة لجلب الغذاء، ومع كل التهديدات التي تواجهه من الحيوانات الضارية والطبيعة القاسية كان عليه العيش في جماعات كي يزيد احتمال بقائه والدفاع عن نفسه من كل خطر، لذا فأن أي تخلف عن الجماعة ومحاولة العيش وحيدا في تلك الظروف تعني تهديد حياة أي فرد بالموت، وعلى هذا الأساس تطورت أدمغتنا على الحياة الاجتماعية لأن هذا يساعد الفرد على التأقلم والعيش في جماعة، ومنه فأي محاولة للخروج عن الجماعة يوجد الشعور بالوحدة القاتلة وكأن دماغك يخبرك أنك تقوده للمجهول.
وكطفل صغير كان بقاؤك يعتمد بشكل كلي على إطاعة والديك، لأنهما كانا مصدرك الوحيد للأمان والغذاء وأي تمرد يعني بشكل كلي الموت، فقد كانت مفاهيمهم ومعتقداتهم عن الحياة تعني الأمان والاستقرار بالنسبة لك، ولأنك لا تعلم شيئا عن الحياة ومع تكرار والديك ومجتمعك لنفس المفاهيم صارت هي الوسيلة الوحيدة التي ترى بها الحياة ومعتقداتهم هي النظارات التي ترى بها ألوان الواقع وظروفه، لهذا فقد صارت هذه المعتقدات والمفاهيم هي معتقداتك ومفاهيمك، وتبنى جهازك الأمني هذه المعتقدات كشروط لتسمح أو تمنع أي أفكار جديدة وتسلل أي فكرة جديدة دون أن توافق هذه الشروط يؤدي إلى حالة طوارئ في جهازك الأمني وتشعر بالتهديد وعدم الاستقرار…
أما المظاهرات التي وجدتها من شعبك بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية فهي بسبب حالة الخمول الفكري الذي تعيشه وعدم محاولتك للاطلاع على أي فكرة جديدة مخالفة لما ألفته، أدى هذا الى تعصبك الفكري والعقيدي، واللصوص الداخلية من شعبك هي كل المفاهيم والأفكار الغبية الحمقاء الساذجة التي ورثتها والتي تعيث فسادا في نظامك وتسبب لك أفعال وردات فعل لا ارادية دون أي رقابة أو مسؤولية بسبب عدم قدرة نظامك الأمني [مشاعرك] على تحديدها لعدم موافقتها لشروط عدم الأمان التي حقنها لك المجتمع في شكل معتقدات، أما رأي حاشيتك في أن الجهاز معطل فهو غياب الذكاء العاطفي الذي لم تتطرق له في حياتك من قبل ونابع من عدم ثقتك في مشاعرك, ومستشارك الذي أخبرك بصبغ اللون الأحمر بالأخضر وتحل المشكل هو كل ما تفعله للهروب من مشاعرك السلبية وعدم مواجهتها من مخدرات او تدخين أو فرط في الأكل أو أفلام أو حتى رياضة…
إذن فالمشاعر ليست جيدة أو سيئة أو سلبية أو إيجابية بل هي مجرد رسائل تخبرك بشكل آني ما يحدث لك داخليا وخارجيا، وتنبهك بأن ما تراه في الواقع موافق لما تعتقده وتومن به في الحياة أم لا، وأي تغيرات في مزاجك تتطلب بحث معمق عن جذور المعتقدات التي تتخاطبك على شكل افكار وتتجلى في مشاعرك…
Comments 2