إلى أي حد يمكن أن يصل الشر في البشر؟؟
قصة:
تعتبر فترة الطفولة من أكثر المراحل تميّزا في حياة الإنسان، مما يملؤها من حماس وانغماس في اللحظة وفضول لاكتشاف العالم من حولنا والإثارة والمتعة التي تصاحب الأوقات التي نقضيها مع بعضنا في الألعاب التي ورثناها من الأجيال السابقة أو التي ابتكرناها وطورناها للتناغم مع جيلنا… من بين أكثر الألعاب إثارة وتشويق لعبة “الضراب” مبدأ اللعبة بسيط حيث توجد ثلاث أدوار رئيسية “الضرابين” وهم الفاعلين الأساسيين، “المضروب” وهو المفعول فيه، والشخص الذي يحجب الرؤية عن المضروب وهو عنصر رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه …
تبدأ مجريات اللعبة بالحاجب الذي يباغت “المضروب” ويغلق له عينيه بأي وسيلة متاحة ثم ينادي بأعلى صوته المدد “ضرااااب ضراااب” يتأهب الضرابين في أجزاء من الثانية وينقضون على المضروب منهالين عليه بضربات سريعة وقوية ومتناغمة بحيث يمكن سماعها من بعيد على شكل نغمات موسيقية كأنها طبلة، ولأن الضربات تكون خاطفة وسريعة ما على المضروب المسكين إلا أن يحمي المناطق الحساسة من جسمه كي لا يتعرض لإصابات بليغة…
قد تبدو “الضراب” لعبة طفولية كنا نمرر بها أوقات ممتعة لكنها تعكس جانب مظلم من السلوك الانساني إذا سلمت له الحرية المطلقة! ماذا لو تركت الفرصة للناس أن يفعلوا لشخص ما يشاؤون؟!! هل بمجرد أن يفقد الشخص رؤيته ويتلقى البعض الأوامر يجعل مسألة الإعتداء مشروعة؟!
تجربة مارينا ابراموفيتش عن الشر في البشر:
سنة 1974 قامت الفنانة اليوغوسلافية “مارينا ابراموفيتش” بتجربة فاجأت العالم في السلوك البشري … حيث وقفت في معرض وحملت لوحة مكتوب عليها “أنا
أداتك اليوم افعل بي ما تشاء وأنا أتحمل المسؤولية كاملة عن أي تصرف تقوم به” وتم وضع طاولة بجانبها تحتوي عدة أدوات متنوعة من ورود وعسل وسوائل إلى سلاسل وسكاكين ومسدس ورصاصة …  |
الادوات الموضوعة على الطاولة والمسموح باستعمالها |
في البداية قام الحضور بالتصوير فقط ثم بعد عدة دقائق غيروا لها مكانها وأجلسوها على كرسي، بعدها اطلعوا على محتويات الطاولة وأعطوها ورود وسكبوا عليها السوائل وسخروا منها…
 |
بداية التجربة |
ومع مرور ساعات بدأوا في استعمال الأدوات الحادة حيث قاموا بربطها بالسلاسل وأمسك أحدهم سكين وجرح رقبتها وقام آخر بتعبئة مسدس بالرصاصة وجعلها تمسكه وصوب المسدس نحو رأسها … ثم قطعوا ملابسها وقاموا بالتحرش بها وكتابة عبارات سخرية على جسدها بعد ست ساعات انتهت التجربة… تفاجأ الحضور أنفسهم بما قاموا به…
 |
بعد ساعة |
 |
بعد ساعات |
 |
بداية ونهاية التجربة |
صرّحت بعدها مارينا قائلة
” هذا العمل يكشف شيئا فظيعا عن الانسانية، يبيّن كيف يمكن لشخص أن يؤذيك إذا توفرت له الظروف، يبين السهولة التي يمكن بها تجريد إنسانية شخص لا يمكنه المقاتلة ولا يدافع عن نفسه، يبين أنه إذا توفرت الظروف فإن معظم الناس العاديين يمكن أن يصبحوا بشكل واضح إلى عدوانيين حقيقيين”
يبدو أنه علينا أن نعيد النظر في مفاهيمنا عن الشر على أنه سلوك يصدر خارجنا، ونسلط الضوء أكثر على الغرائز المكبوتة داخلنا والتي تتحكم في سلوكياتنا، إنّ علو الأنا التي بداخلنا يعزز الانفصال والانقسام مما يجعلنا أكثر عدوانية وأقل شفقة على غيرنا… ذلك الشر المطلق الذي صورته لنا الأفلام والروايات والذي يتعلق بأناس دون غيرهم يتلاشى في الواقع لينقسم بشكل متساو بيننا ونراه كانعكاس لأفكارنا ومشاعرنا في سلوكيات غيرنا كي يستطيع أن يوهمنا أننا دائما أبرياء وضحايا وأن غيرنا هم السبب وهم الشر أو كما سميتها عقلية “النحن والهم” بحيث أن ما تفعله أنت وأسرتك وعائلتك وقبيلتك ووطنك وقومك صحيح ومبرر والتي تمثل “النحن” وما يفعله غيرك أي ال”هم” دائما غير مبرر وخاطئ وشرير ويستحق العقاب …