Table of Contents
1 أقوى صلة كانت لديك:
لا يمكن أن يمضي يوم في حياتنا دون أن نتواصل مع غيرنا، أن تتعلّم فن التواصل مع الناس يعني أنّك تمتلك أهم وأقوى مهارة في حياتك
يوما ما قبل سنوات من الآن، كنت تعيش في الجنة، مكان يمكنك فيه أن تطلب ما تشاء وتلبى طلباتك، مكان لك فيه الأولوية القصوى، كان يمكنك الأكل والشرب بدون مضغ، التنفس دون إجهاد نفسك بإدخال وإخراج الهواء، قضاء حاجتك دون الذهاب للحمام، والأمان التام بحيث لا يخدشك شيء…
لكنك كنت متمردا، فانتهت صلاحيتك وقذفت لهذه الحياة، وكنت من المحظوظين بأنك تقرأ منشوري الآن بأن ذكرتك بمملكتك السابقة…
نعم… أقوى صلة قد تعيشها في حياتك كانت في رحم أمك، حيث حصلت على كل احتياجاتك دون الحاجة للتعبير والطلب، لكننا بعد أن قذفنا للحياة تغير كل شيء، صار عليك أن تبكي كي تعبر عن جوعك وألمك وعطشك وخوفك… وكلما تقدمنا في العمر تزداد الضغوط علينا أكثر لنقوي تواصلنا كي يتم فهمنا، تزداد الحياة تعقيدا ويصبح التواصل أكثر صعوبة رغم اكتسابنا للغة، وجل مشاكلنا التي نواجهها في حياتنا اليومية تكون بسبب انعدام تواصلنا مع غيرنا، بين مقصود لم ينطق ومنطوق لم يقصد نحن نعيش في علاقات متوترة هشة يحاول كل شخص التعبير عن نفسه بشتى الطرق لكن يشعر أنه دائما ما يساء فهمه، وفي عصر أين أصبح كل شيء مترابط وتزاحم مواقع التواصل ازداد شعورنا بالانفصال والوحدة…
2 فن التواصل مع الناس كان أقوى سلاح لدينا يوما:
قبل مئات آلاف السنين، كان أجدادك الأولين يعيشون على تسلق الأشجار بسبب توفر الغذاء والحماية التي توفرها من الضوار، لكنهم لم يستطيعوا منافسة القرود بسبب بنيتهم الجسمية الضعيفة وعدم قدرتهم على التأقلم، فنزلوا للعيش على الأرض وكي يستطيعوا التأقلم مع كل المخاطر التي تواجههم توجب عليهم العيش في جماعات، لهذا تخلى دماغنا على الجزء المسؤول عن الذاكرة قصيرة الأمد الذي يكون حادا عند أغلب الحيوانات وطوّر الذاكرة طويلة الأمد لكي نستطيع الاحتفاظ بمعلومات أكثر لمدة أطول، هذا ساعدنا على الاستفادة من تجاربنا وإنشاء اللغة وتمرير المعارف التراكمية للأجيال القادمة… يعني باختصار شكّل التواصل القوي بيننا العامل الرئيسي لبقاء الانسان ومنافسته كل هذه الظروف القاسية…
الآن…المهارة الرئيسية الأكثر طلبا والشرط الأساسي لقبولك في الشركات الكبرى العالمية هي مهارات التواصل وفن التواصل مع الناس، فحتى لو كنت موهوبا في ما تقوم به لن تستطيع النجاح دون قدرتك على الاندماج داخل فريق والعمل الجماعي مع زملائك واستطاعتك التسويق بذكاء لمشروعك…
سواء كنت أستاذا، طبيبا، دكتورا،مهندسا، تاجرا… فدورك المهني لن يكون له قيمة إذا كان تواصلك مع زبائنك منعدما، إذا كنت فظا أو قاسيا وغير مرن في تعاملك مع غيرك، فن التواصل مع الناس شيء رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه، لكن للأسف لا يتم تعليمنا أهم مهارة وفن نحتاجها في الحياة في المدارس والمناهج الأكاديمية…
كما يؤكد خبراء العلاقات الاجتماعية أن أهم عامل لنجاح العلاقات العاطفية والعائلية والصداقات هي القدرة على التواصل السليم والتعبير بشكل واضح على ما يريده وفهم ما يريده غيره…
3 كيف تتقن فنّ التواصل مع الناس:
فكيف تتواصل بشكل احترافي في عملك؟؟ ماهي الأسرار التي تجعل بعض الأشخاص سعداء في علاقاتهم الزوجية والاجتماعية؟؟ كيف تتواصل بشكل حميمي بحيث يشعر من يقابلك وكأنك تطل على أفكارهومشاعره ويشعر بصلة قوية بينك وبينه؟؟ماهي الأسرار التي تجعلك تتحكم في الحوار وتقوده نحو ما تريده وتتجنب المواقف الحرجة والجدالات العقيمة؟؟
هذه أهم خمس أسرار للتواصل منالكتاب الشهير “شعور جيد” لديفيد بيرنز، بتصرف…
التواصل الحقيقي يكمن في فهمك لما يشعر به الشخص المقابل وما يحس دون الحكم عليه وتأويل كلامه، ومحاولة شرح وإيصال ما تشعر وتفكر به دون حكم أو إساءة أو إقصاء … ويكون ذلك عبر شرطين أساسيين كما بيّنه بيرنز “الاستماع والتعبير عن نفسك”
4 الاستماع:
الاستماع هو جوهر التواصل، هو الوسيلة التي تجعلك تربط وتخلق الجسر بينك وبين الشخص المقابل، الاستماع يعني أنك فهمت جيدا ما يفكر وما يشعر وما يرويه الشخص الآخر دون أن تحكم عليه أو تقاطعه أو ترفضه أو توقفه وكي تكون مستمعا جيدا هذه ثلاث تقنيات فعالة تصلك بالشخص الآخر وتجعله يرتاح لك وينفتح لك أكثر ويشعر بقوة الصلة بينكم…
1- تقنية التجريد من السلاح “The Disarming Technique“:
وهي أن تحاول إيجاد بعض الحقيقة مما يقوله الشخص الآخر، حتى لو كنت مقتنع تماما أن ما يقوله خاطئ وغير منطقي وغير عادل وتوافقهم عليها لأنك أصبحت ترى الأمر من منظورهم أو تضع نفسك مكانهم …
فكر في الأمر، لا يوجد شخص يحاول اقناعك بشيء دون أن يشعر أنّه على حق وأن وجهة نظره صحيحة، في الغالب لن تجد شخص يعرف أنّه مخطئ ويحاول اقناعك بالخطأ… هذه التقنية فعالة جدا وتعمل كالسحر وإذا كان عليك أن تتقن أحد هذه التقنيات فعليك البدء بهذه التقنية خاصة في المواقف التي تتعرض فيها للنقد والهجوم، لأنك تسمح للشخص بالتعبير عن نفسه جيدا وتوصله إلى النقطة التي يريد الوصول إليها وهي “أنه على حق” لأنك أصبحت الآن ترى الموضوع بوجهة نظره هو…
ولنعطي مثالا: وصلت متأخرا للعمل ثم هاجمك مديرك مباشرة بنبرة غضب “أنت دائما تصل متأخرا وقد سئمت من تصرفك هذا” والآن عليك تجريده من سلاحه بموافقته وترد عليه ” نعم فعلا، لقد وصلت متأخرا، ولك الحق أن تغضب…” هنا لن يشعر المدير بالرغبة في اثبات كلامه وفتح جدالات والصراخ مادام رسالته وصلت، وسيشعر أنك تفهمت سر غضبه…
2- التعاطف “Empathy“:
وهي أن تضع نفسك مكان الشخص الآخر وترى الموقف بمنظورهم وتشعر بما يشعرون به، ويكون ذلك من خلال إعادة التعبير عما قاله الشخص الآخر بحيث تبين له أن فكرته وصلت لك ثم تخبره بالمشاعر التي تظنه يشعر بها…
مثلا يقول لك صديقك “أنت تحاول استفزازي بكلامك” فتجيبه أنت ” أنا أحاول استفزازك؟ يبدو أن ما قلته أزعجك” وطبعا لا يكون هذا بنبرة ساخرة أو مستفزة…
هذا يأخذنا الى التقنية الثالثة…
3-التحقق“Inquiry“:
وهي أن تسأل بطريقة مؤدبة لتعرف أكثر ما يفكر به هذا الشخص ويشرح لك بتفصيل أكثر شعوره…من الصعب جدا على أغلب الناس التعبير عن غضبهم أو انزعاجهم بطريقة واضحة وقد يستعملون طرق غير مباشرة ليبينوا مشاعرهم، لذا بطلبك أن يعبروا أكثر سيشعر الشخص المتلقي بالراحة أكثر للتعبير وايضاح موقفه …
مثلا: يقول لك أحد أقاربك ” أنت تضحك علي وتسخر مني” فتجيب أنت ” أنا أشعر بسوء أنك شعرت هكذا، لو كنت مكانك لغضبت أيضا، هل تشعر بغضب الآن؟؟ هل يمكن أن تخبرني مالذي أزعجك بالضبط؟؟”
5 كيف تعبر عن نفسك باحترافية:
وهي أن تعبر عما تشعر به بصدق اتجاه الموقف دون أن تزيد الموقف حدة أو تقع في أخطاء التواصل من اللوم والحكم واستعمال مصطلحات جارحة للشخص الآخر، هذه التقنيات بسيطة جدا لكنها فعالة بشكل رهيب في إيصال فكرتك دون تصادم مع الشخص المقابل…
1- استعمال عبارة “أنا أشعر…” “Ifeel statements“:
عوض أن تجادل وتبدأ في الدفاع عن نفسك ومهاجمة الشخص الآخر بعبارات “أنت لا تفهمني، أنت تجرحني، أنت تحزنني، أنت تغضبي، أنت تثير استيائي” عبر نفسك بعبارة “أنا أشعر …” مثلا ” أشعر بسوء، أشعر بالاستياء، أشعر بالغضب، أشعر بالحزن …” بهذه الطريقة لا يشعر الشخص المقابل أنه يتم لومه ومهاجمته وأيضا تبيّن أنك أنت من
يتحكم وليس هو من يثير غضبك أو استياءك، ويكون التركيز على الموقف وليس الشخص نفسه…
فمثلا عندما تتعرض لمجاملة من شخص ما وتشعر بالإحراج تقول ” أشعر بالإحراج والضغط الآن …” وليس”أنت تحرجني وتضغط علي…” هذه التقنية فعالة جدا عندما تتعرض لهجوم أو نقد من شخص، لكن أغلب الناس يأخذون موقف دفاعي أو هجومي عوض التعبير عما يشعرون به بصدق …
2- التمسيد والمداعبة “Stroking“:
هو أن تحاول إيجاد شيء حقيقي إيجابي في الشخص الآخر وتخبره به، حتى إن كان الموقف محتدما، هذا يجعلك تظهر الاحترام للشخص الآخر وتبين أنك لا تشخصن الموضوع وأنك تفصل بين الموقف الشخص ولا تتحيز لشيء معين على حسابه، هذا لأن أكبر مخاوف أي شخص هو أن تحكم عليه بشيء سلبي أو تراه بنظرة دونية، وكل الناس تريد أن يتم تعبير الامتنان والحب ورؤية جانبهم المضيء والايجابي…
فمثلا عندما تغضب على زوجتك يمكنك أن تخبرها ” أنا غاضب جدا، لكنني أهتم لأمرك…” أو عندما تتجادل مع زميلك في العمل يمكنك أن تخبره “لدينا اختلاف كبير في وجهات النظر، ولست مرتاح جيدا لوجهة نظرك لكنني أدرك أنه يمكننا أن نصل لاتفاق وأريدك أن تعرف أنني أحترمك ويروقني العمل معك…”
والآن سأعطيك مثالا يجمع كل هذه التقنيات:
يقول لك زوجك: ” هذا كله خطأك، أنا على حق وأنت مخطئة، لماذا لا تتقبلين الأمر وحسب؟؟ وتتوقفي عن عنادك!” وطبعا اجابتك أنت ستكون” أنت لا تفهم شيئا، أنت المخطئ ولست أنا، توقف عن الصراخ في وجهي وإلا كذا كذا…وبلا بلا بلااا …” هنا ستدخلون ملعب التنس وتترامون الاتهامات على بعض إلى المالانهاية…
عوض هذا يمكنك أن تستعملي هذه التقنيات وتجيبي: ” ربما كنت فعلا أتصرف بعند [ تجريده من سلاحه]، أنت تقول أنّ الأمر كله خطئي… وأنا أريد تحمل جزء من المسؤولية على ما حدث[ تعاطف، تجريد من سلاحه]، هناك حقيقة فيما تقوله، وأنا أريد فهم وجهة نظرك جيدا[تجريده من سلاحه، التحقق]، أنا محتارة أيضا لأن أفكاري مشوشة [عبارة “أنا أشعر…”]، أريدك أن تحاول فهم ما أشعر به [عبارة “أنا أشعر…”، التعاطف]، ورغم أنني أشعر بالحزن والاستياء أنا أحترمك وأقدرك [التمسيد]” …
هذا كان مثالا بسيطا، ويمكنك استعمال هذه التقنيات في أي نقاش أو حوار وسيساعدك كثيرا على تقوية صلتك خاصة للمقربين منك…
فن التواصل مع الناس مهارة، وأي مهارة كي تتعلمها وتتقنها جيدا تحتاج “معرفة ووقت وممارسة” قد يتطلبك بعض الوقت والجهد لاتقانها جيدا لكن صدقني الأمر يستحق العناء…
نعم…معك حق المقال طويل [تجريد من السلاح]، يبدو أنك تشعر بالملل الآن [تعاطف]، هل فعلا كان المقال مملا [التحقق]، أنا أشعر ببعض من الخيبة لأنني تعبت كثيرا في كتابته وتنظيمه وتطلبني وقت كثير [عبارة “أنا أشعر..”] لكنني ممتن كثيرا لك لأنّك أنهيته، هذا يدل على حرصك واهتمامك لتطوير نفسك، يسعدني معرفتك [تمسيد]…
المهم أنا اكتشفت أنني أعرف التمسيد…ماذا عنك ماذا اكتشفت ؟؟؟
أخيرا احرص على عدم الوقوع في هذه الأخطاء التي ستقتل تواصلك مع الناس في هذا المقال هنا
Comments 1