هل تساءلت يوما إلى حد يمكن أن يصل تأثير الميديا والإعلام عليك وعلى دماغك وأفكارك؟؟
لقد كنت اشتعل شوقا كلما اقترب يوم الإثنين لمشاهدة المسلسل الكرتوني “دراغون بول” الذي كان يعرض مرة في الأسبوع على قناة سبيس تون، لطالما تمنيت أن أصبح مثل البطل “غوكو”…تدور أحداث المسلسل حول بطل خارق يريد جمع كرات التنين ويقاتل مجموعة من الأشرار كي يحمي المجرة وتتطور قوته كلما ازدادت قوة خصمه، ولشدة ولعي به كنت أقلد كل حركاته وكلماته ونبرة صوته وأقوم باستدعاء قوة المجرة والتدريب على مواجهة أعدائه وأبدأ في التكزز والصراخ كي أستجمع الطاقة وأنتظر اهتزاز الأرض من حولي ويوما صعدت للسطح في محاولة الطيران للفضاء لكن الحمد لله أنني كنت جبانا
ساهمت هذه المسلسلات بشكل كبير في تكوين شخصياتنا كأطفال لكن هل بقي تأثيرها علينا بعد أن أصبحنا واعين لأفكارنا وتصرفاتنا؟ وهل نحن فعلا الآن واعين أصلا؟ وإلى أي حد يمكن تؤثر فينا الميديا بشكل عام؟ وكيف يتم استغلال عقولنا لغرس مبادئ ومعتقدات وثقافات استهلاكية دون أن نشعر؟
تعمل أدمغتنا بشكل مبسط ككاميرات فهي تستقبل المعلومات من العالم الخارجي تقوم بتحليلها وتركيبها وربطها مع معتقداتنا ثم تخزينها ويقوم دماغنا بكل هذه العمليات دون وعي منا، يعني أنه لا يمكن أن تقول لدماغك وأنت تفتح عينيك لا ترى هذا المشهد أو تقول له لا تسمع هذا الصوت أو لا تشم هذه الرائحة أو حتى لا تتذوق وأنت تأكل، هذه كلها عمليات مستقلة عنا، وجدت وتطورت حواسنا كي نستطيع التأقلم مع العالم الخارجي لكننا نعتبر فقط واعين لها دون أن نتحكم بها بشكل كلي، هنا يأتي دور المحيط الخارجي وما نتعرض له بشكل يومي من محفزات لحواسنا وتأثيره على ما نفكر فيه، حيث يقول دانيال كانمان في كتابه الشهير التفكير السريع والبطيء “تنشأ معظم الانطباعات والأفكار في خبرتنا الواعية دون أن نعرف الكيفية التي بلغت بها وعينا” وهذا يجسد أنّ ما نمر به خلال يومنا تلتقطه أدمغتنا دون وعي ويساهم هذا في تكوين أفكارنا وبالتالي معتقداتنا وحتى طريقة نظرتنا للعالم كما يطرح الكاتب أيضا المبدأ “ما تراه هو كل ما هناك” يعني أنّ وعينا مرتبط بشكل كبير بكل ما نراه ونمر به…
السؤال هنا كيف تستغل الميديا هذا للتأثير علينا؟؟
يوضح دانيال هذا في كتابه
” يميل الناس إلى تقييم الأهمية النسبية للموضوعات من خلال سهولة استرجاعها من الذاكرة وهو ما يحدده بشكل كبير مقدار التغطية الإعلامية لها”
أظن يا صديقي أنك تساءلت لماذا تخسر الشركات الكبرى كل هذه الأموال الطائلة والتي تقدر أحيانا بملايين الدولارات للتسويق لمشروب مثل الكوكا كولا؟؟
أظن لو ناولنا هذا المشروب لشخص من القرون الماضية لبزقه في وجهك وقاتلك على إعطائه هذا السم المر لكن ولأنّه تم حشونا بكل هذا الكم من التغطية الإعلامية والهجوم على أدمغتنا والتكرار الرهيب وربطه بأفضل المشاعر لتثيرنا جعلنا نراه شيء رئيسي بل وحتى لا نتخيل الحياة بدونه صار جزءا لا يتجزأ من حياتنا
وهذا ما تفعله أيضا الأفلام والمسلسلات إن ما كان يوما محرما في أغلب المجتمعات صار شيئا طبيعيا أو حتى صار واجبا بسبب التغطية الإعلامية وبرمجة العقول والتكرار التدريجي تأتي الثقافة في البداية ويتصدى لها الجميع بقوة ثم ما تلبث أن تصبح شيئا عاديا بسبب التعود والتكرار كما قال مورقان فريمان “إن التلفاز هو الوحش في بيتك وقد سمي برنامج لسبب… إن تلفازك هو لا شيء سوى دماغ إلكتروني تم تصميه ليتم برمجتك نفسيا”
لكن ما يحيرني فعلا ليس فقط تأثير الميديا علينا على أساس أنه تأثير خارجي لكن ما يفعله بنا دماغنا إذا كان ما تراه هو كل ما هناك فهل نضمن فعلا أننا رأينا كل شيء كي ندعي أننا نعرف كل شيء! ألهذا السبب تتكرر الآيات القرآنية “قل سيروا في الارض فانظروا…” وإلى أي حد يمكن أن نقول أنّنا أحرار وواعين إذا كنا مقيدين بميكانيزم معين يعمل به دماغنا؟
لذا يا صديقي قبل أن تحاول الطيران او إيقاف قطار او إمساك رصاصة أرجو ان تتأكد من أين جاءتك هذه الفكرة