هل تشعر بالضغط والكبت النفسي وتشعر أنّك لا تساوي شيئا؟
أسكت عندما يتحدث الكبار!
هذا ما كنا نسمعه دائما خوفا من أن تقول كلاما غير لائق أمام الضيوف أو فقط لأنّ كلامك ورأيك غير مهمّين…
نقف في صفوف طويلة في الصباح الباكر كي نسمع أغاني لا نفهمها، ونجلس في طاولات أمام أشخاص لا نعرفهم، حيث يجازى فينا أكثرنا سكوتا وأقلنا حركة وأكثر طاعة للأوامر، بل ويعاقب فينا من يحاول أن يكون طفلا فقط …
لم يرد أحد أن يستمع لمغامراتك، لشجاراتك مع أصدقائك، للكماتك وقفزاتك العالية، لم يرد أحدأن يستمع لقصة النملة التي دهستها في الطريق والقط الذيفرّ بأعجوبة قبل أن تخنقه محدثا خبشا في يدك، للطائرة التي رأيتها صباحا، لخطتك في الطيران، لتقليدك لبطل الأنيمي الذي شاهدته لحركة يدك الملتوية الغريبة، لرغبتك في إضحاكهم، لتظلمك من ضرب المعلم… للأسف لم يكن كل هذا مهما ولم تكن أنت مهما.
الأسلوب الوحيد الذي تمّ التعامل به معنا والذي يعامل به الأطفال الآن هو “التلقين والكبت النفسي”، ليس عليك أن تقول شيئا أو تبدع شيئا، أنت أسمع الكلام فقط ما تقوله وما تستنتجه غير مهم، نحن كبار ونحن أدرى منك بمصلحتك، لا تحاول التأكد إعادة النظر أو حتى التفكير لأن كل شيء تم حسابه والتخطيط له مسبقا أنت عليك فقط تتبع الطريق ونهايتك سعيدة…
هذه الطريقة في الكبت النفسي والقمع والتصغير التي مورست علينا بالتلقين والتي واجهناها في بداية حياتنا جعلتنا نفقد الثقة بأنسفنا، بآرائنا، بل وحتى نؤمن قطعا بمسلمات لم نعد النظر إليها أو التحقق منها، صار تنافسنا فقط على أن نصبح أفضل نسخة نحتتها قيم المجتمع من قول وفعل ولباس وتفكير وقيم نبني عليها هويتنا وقيمتنا كأفراد وقد انعكس هذا في طريقة نظرتنا للواقع وطريقة استقبالنا وتلقينا لأي فكرة…
تحدثنا في مقال “السمع…بوابة الروح!” كيفية انتقال الصوت وترجمته في دماغك وكيف أن دماغك يتلاعب بالأصوات التي تسمعها، يلغي لك بعض الأصوات كي تستطيع التركيز فيما تفعله مما جعلنا نتساءل:
هل يمكن أن يتلاعب الدماغ بما يعطيه لنا أيضا من معلومات وأفكار ومعتقدات؟!! ماذا لو كان دماغنا يرينا ما نريد أن نراه فقط ولا يرينا ما نحتاج ان نراه؟!!!
إن طريقة التلقين والحفظ جعلتنا نبني أنظمة عقائدية ومسلمات وأفكار بديهية يرجع إليها الدماغ دائما للمراجعة ومقارنتها مع الأفكار الجديدة والاحتكام والخضوع إليها في قبول أي معلومة، نحن لم نعد نستمع ولا نرى أي شيء مجرد كما هو دون العودة لما تم تطعيمه لنا بل وحتى يرفضها دماغنا من الوهلة الاولى ونجد صعوبة في فهمها وتبدو لنا غير منطقية وننطلق مباشرة لرفضها…
يحاول الدماغ الحفاظ على الطاقة وأي فكرة قد تبدو جديدة تجعله يعمل كثيرا لتحليلها يتجنبها، كل ما يهمه هو بقاؤك الآن وحصولك على بعض المتعة وعندما تصدمه بفكرة عميقة فكرة قد تزعزع أعمدة معتقداتك يعلم أنّ عليه خسارة طاقة رهيبة كي يعيد بناءها، لذا يحاول إلهاءك بل وحتى يجعلها غبية جدا ولا يدعها تمر، هذا طبعا بتذكيرك كيف أنّ والديك ومعلمك ومجتمعك وشيخك ورئيسك وعالمك المفضل قد نهاك أن تستمع إلى هذه الأفكار، فتمر عليك مرّ الكرام هي غيرها ويمر معها عمرك الطويل دون أن تنتبه أنك مجرد نسخة من هذا المجتمع، وقد توفق في صناعة نسخ مثلك وتفتخر بهم أمام النسخ الأخرى…
يقول كريشنا أميرتي في مقدمة كتابه الحرية الأولى والأخيرة
” الاستماع فن، كي تستطيع حقا الاستماع، يجب أن تضع جانبا كل الأحكام المسبقة… عندما تكون في وضع ذهني للاستقبال تصبح الأمور سهلة للاستيعاب، نقول أنك تستمع عندما يكون تركيزك كله موجه نحو شيء، لكن مع الأسف أغلبنا يستمع فقط من خلال شاشة معيقة، نحن معاقون بشاشات من الأحكام المسبقة سواء أكانت دينية أم روحية أم نفسية أو علمية أو حتى من خلال مخاوفنا ورغباتنا وبهذه الشاشات نستمع، وبهذا نحن نستمع فقط للفوضى التي في أعماقنا لأصواتنا الداخلية وليس إلى ما يقال لنا، إنه لمن الصعوبة بمكان أن نضع جانبا كلما تعلمناه وتم تلقينه لنا”
أظن أنه حان الوقت يا صديق أن تعيد النظر في حياتك، في مسلماتك، مهما بدا لك أنّك صحيح وعلى الطريق السوي قد يخدعك دماغك قد تكون في وهم حان الوقت أن تكون أنت، أن تكون ما أراده دائما ذلك الطفل، أن تستعيد ما يميزك “الفضول والتساؤل” أظن أنك كبرت بما فيه الكفاية كي تدع شخص يجيب في مكانك على أسئلتك…
إنّ مقدار حريتك يقاس بتحررك مما تم تطعيمه لك … فكّر ..
Comments 2