Table of Contents
لماذا نغضب؟؟ وكيف يؤثر الغضب على الدماغ والأعصاب والمراكز العصبية المسؤولة عليه؟؟ وكيف نتحكم بمشاعرنا؟؟
1. قصّة
بعد أن قضى أكثر من ثلاث سنوات في السجن بتهمة السطو على أكثر من مئة منزل، خرج روبرت من السجن وكله شوق لمقابلة صديقته وابنتهما التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، فأراد أن يشتري هدايا لابنته لكنه لا يملك أي نقود لذا قرر أن يسطو على شقة لآخر مرة كي يحصل منها على مصروف يومه ويعتزل بعدها الجريمة تماما…
اقتحم روبرت الشقة فتفاجأ بوجود فتاة “جانيس” البالغة من العمر 21 سنة والتي تعمل باحثة في أحد المجلات، وقبل أن تظهر الفتاة أي رد فعل قام بتقييدها على كرسي وباشر عملية السرقة…
قبل خروجه بلحظات سمع دقات الباب ودخول زميلة جانيس في السكن “إميلي” التي تبلغ من العمر 23 سنة والتي تعمل معلمة، فاقترب منها ببطء وهجم عليها من الخلف وأمسك فمها وقيدها بالقرب من صديقتها، وأثناء همه بالرحيل بدأت جانيس في الصراخ وأخبرته أنها تتذكر وجهه جيدا وستدل الشرطة عليه وسيتلقى عقوبته التي يستحقها …
كان روبرت قد قطع وعدا أن لا يعود للسجن أبدا وأن لا يرتكب جرائم وبمجرد شعوره بالتهديد من أن يتم القبض عليه من الشرطة أمسك زجاجة وضرب بها كلتا الفتاتين في الرأس حتى أغمي عليهما وأحضر سكين من المطبخ وطعن كلتيهما حتى الموت.
أثناء التحقيق في الجريمة بعد أن تمّ القبض على روبرت، بدى حزينا جدا ونادما على فعلته وصرح بأن الأمر قد حدث بسرعة دون أن يفكر واجتاحته موجة غضب شديدة وفقد عقله وفقد السيطرة تماما على أفكاره وأفعاله، وحكم عليه بعدها بالسجن ثلاثين سنة …
روبرت ليس الوحيد الذي يعاني من حالات الغضب التي تجتاحه وتفقده عقله وتفكيره السليم، جميعنا نعاني من هذا من حين لآخر فكثيرا من تجتاحنا موجات غضب عارمة تفسد الكثير من علاقاتنا وتعاملاتنا وتشل حياتنا اليومية، فكم مرة اشتعلت غيظا وقلت كلاما جارحا لم تكن تريد البوح به لشخص تحبه ؟؟ وكم مرة قمت برد فعل غير واع ندمت عليه مدة طويلة؟؟ وكم مرة أفسدت علاقات بسبب تهورك وحساسيتك الزائدة ؟؟ وكم مرة ضربت أولادك وعنفتهم وآذيتهم بشدة أو عرضتهم لاصابات خطيرة فقط لأنهم خالفوا أمر بسيط عودتهم عليه وندمت بعدها ؟؟ كم مرة سمعت عن حالات جرح وعنف وقتل لأشقاء وأقرباء وجيران فقط لأن أحدهم اجتاحته نوبة غضب أفقدته صوابه ؟؟
رغم خطورة هذه المشاعر وردات الفعل التي نقوم بها بعشوائية إلّا أنّنا لا نعطيها أدنى أهمية في حياتنا اليومية ولا نتعرض لمخاطرها وأعراضها ومصدرها وكيفية التعامل معها وتجاوزها، فماهو مصدر الغضب وغايته؟؟ وما آليته ؟؟ وهل نستطيع التحكم به والتحكم في ردات فعلنا وبالتالي حياتنا؟؟ كيف ذلك ؟؟
2. الدماغ والغضب
يتكون جهازك العصبي من ثلاث مراكز أساسية تعمل بتناسق فيما بينها للحفاظ على النظام والعمليات الحيوية في جسمك واعطائك الرسائل من المحيط الخارجي والوعي الكاف للتعامل معها، يعتبر المركز الأول أكثر منطقة بدائية في دماغك هو “المركز الجذعي” أو “Brain stem “والذي نشترك فيه مع الزواحف والمسؤول عن العمليات التلقائية اللاارادية في جسمك مثل التنفس ونبضات القلب والجهاز الهضمي…
يقع فوقه مباشرة “الجهاز الحوفي” او ال”Limbic system” والذي يعتبر أكثر تطورا ونشترك فيه مع الثديات والمسؤول عما تشعر به من محيطك الخارجي وداخل جسمك ومسؤول عن الذاكرة والعديد من الوظائف التي تسهل لك تعاملاتك الاجتماعية من خلال اعطائك مشاعر معينة في مواقف معينة…
وأخيرا “القشرة الدماغية” أو “ cortexBrain” وهي التي تميزنا كبشر لكبر حجمها مقارنة بباقي الثديات وخاصة الفص الجبهي المتطور لدينا، يعتبر علماء الأعصاب هذه القشرة هي المسؤولة عن التفكير المنطقي والتي تتحكم في باقي مناطق الدماغ وحتى مناطق الجسم فالعمليات العصبية الواعية يرجح أنّها تنشأ منها، تعمل القشرة الدماغية في تناسق وتكامل مع باقي أجهزة دماغك خاصة الجهاز الحوفي، فالأول “القشرة الدماغية” يزودك بالمفاهيم والأفكار، والثاني “الجهاز الحوفي” يصبغ الأفكار بمشاعر لتنشأ التجربة التي تعيشها الآن…
أحيانا أو (في أحيان كثيرة لدى أغلب الناس) يتغلب مركز على آخر ويحدث خلل في التوازن بين المركزين ويتغلب الجزء العاطفي الذي هو الجهاز الحوفي على القشرة الأمامية للدماغ ويتصرف بتلقائية دون العودة وأخذ استشارة القشرة الدماغية التي تمثلك أنت، حيث وجد علماء الأعصاب أنّ هناك مركز داخل الجهاز الحوفي هو المسؤول عن المشاعر الأولية كالخوف والحزن والقلق والغضب تسمى “اللوزة” أو “Amygdala” وهي عبارة عن كرة صغيرة تلعب دور مهم جدا في حمايتنا والتحسس لأي خطر، والغريب أنها هي تتولى القيادة عنك في الحالات التي تشعر فيها بالتهديد حيث وُجد أنه في حالة الخطر تمر الرسالة العصبية من عينك مباشرة لهذه المنطقة
“اللوزة” دون المرور على المركز المسؤول عن قراءة وترجمة الرسائل القادمة للعين، يعني بشكل أبسط أن “اللوزة” تدرك الخطر حتى قبل أن تدركه أنت أو حتى قبل أن تراه وتعطيك مشاعر أولية كالغضب والخوف وتتصرف هي دون الرجوع إليك، تفرز هرمونات الخطر وتعطي ردات فعل لا إرادية كالهجوم أو الهروب، بعدها يتدخل مباشرة ” قرن آمون” او ال”Hippocampus” وهو مركز تابع للجهاز الحوفي مسؤول عن الذاكرة الحديثة بتسجيل هذا الحدث مع المشاعر المصاحبة له ويربط لك منطقة وزمان الحدث بمشاعر معينة كلما تذكرته.
3. لماذا نغضب؟
نتعرض في طفولتنا للكثير من الصدمات العاطفية بسبب العنف الجسدي واللفظي والهجر والاقصاء خاصة في مجتماعتنا العربية ما يجعل هذه المراكز في الجهاز الحوفي حساسة جدا وتحمل ذاكرة أليمة، ويتربى الطفل على أن هذا العالم مصدر تهديد مستمر وفي أي لحظة قد تتولى اللوزة مباشرة القيادة لنخرج الوحوش داخلنا ويظهر هذا في تعرضنا للشلل وعدم الحركة في شكل خوف، لأنه يوما ما تربينا أن لا حول لنا ولا قوة مع مواجهة ظروف الحياة، أو ردات فعل لا ارادية عنيفة جدا لأننا يوما تربينا أنه عليك تصرخ وتكسر وتحدث فوضى كي تحصل على الاهتمام وعلى ما تريده في شكل غضب، فالغضب والخوف وجهان لعملة واحدة الأول نقاتل به والثاني نهرب به وحيثما وجد الغضب هناك خوف يختبئ وراءه…
الآن وقد علمنا مصدر الغضب عندما نشعر بتهديد حقيقي قد يودي بحياتنا، ماذا عن مصدره عندما لا يكون هناك أي خطر فعلي؟؟ قد نخوض محادثة عادية مع شخص لكننا نستثار غضبا فقط لمجرد كلمة لا تعجبنا أو فعل معين يستفزنا لدرجة شديدة، هل يتدخل المصدر الحوفي هنا ؟؟ هل هو المسؤول عن هذه الحساسية الشديدة التي تنفجر داخلنا؟؟
يؤسفني يا صديقي أن أخبرك أنّ اللوزة هنا ليست هي من حددت الخطر لكن أنت من وجهت لها الأوامر وأخبرتها بالتهديد الذي يواجهك، التهديد لم يكن على حياتك او ضرر في جسمك بقدر ما هو ضرر في صورتك أمام نفسك وأمام الناس، والخلل هنا ليس في اللوزة بل في القشرة الدماغية والمفاهيم والقناعات التي تبرمجها عليها، يعني ببساطة خلل في تفكيرك الغير سليم يرسل رسائل عصبية إلى اللوزة بأنها يجب أن تتدخل لتشتعل غضبا وتسجل في الذاكرة لتحدث بعدها بشكل تلقائي دون إذن منك…
يكمن مصدر كل غضب في اعتقادك أن ما يحدث ليس عدلا، وشعورك الدائم بالتظلم وأن ما قيل أو ما حدث لم يكن يجب أن يحدث، ليتجذر هذا الاعتقاد في الشخص العصبي شديد الغضب والانفجار، كونه يظن أن ما يراه هو فقط الصواب وهو فقط ما يجب أن يكون ويحدث، وأنّ العالم بما فيه من حيوانات وجماد وناس يفترض أن يسير حسب توقعاته ويتماشى ويتساير مع أفكاره ومعطياته، لتضيق به الدائرة بعدها ويقصي جميع الناس ويتبعها اقصاء نفسه، وأي شيء قد يخالف بشكل أو بآخر ما ظنه هو يودي به إلى الانفجار…
لم يعن الحديث النبوي “لا تغضب” الأفعال التي تخرج منك أثناء الغضب كالصراخ والسب والشتم وحتى العنف الجسدي بقدر ما قد عالج بشكل أعمق الغضب كمشاعر وأن لا تسمح لهذه المشاعر بالخروج لقوة تأثيرها السلبي عليك وعلى ومحيطك وذلك بمعالجة مفاهيمك وانفتاحك وعدم تعصبك …
أرجو أن لا تخبرني يا صديقي أن سبب غضب روبرت هو لسان جانيس الطويل لأنه لو لم تتحدث لكان هرب وعاشت هي وصديقتها، لأن هذا لا يعالج المشكل من جذورها وأرجو أن تتحمل أنت أيضا مسؤولية مشاعرك ولا تلقي اللوم على الاخرين بسبب غضبك.
لفهم جذور مشاعرك، ومعرفة الأساليب النفسية الحديثة التي تعالج خلل المشاعر من خوف وحزن واكتئاب وغضب اضغط “هنا“
الغضب فعل الكثير بي سابقا ارجو ان يعي الجميع ما خطورة ان نغضب ونتهور ونفعل مانفعل فاحيانا لايمكننا اصلاح الضرر الذي الحقناه بانفسنا او بغيرنا
سلمت اناملك