Table of Contents
ماهو العلاج السلوكي المعرفي؟ وماهو دوره؟؟ وكيف يؤثر في الليونة العصبية ويقوم بمعالجة القلق والاكتئاب؟ ولماذا أفضل وسيلة سهلة نفسيا للعلاج
1. المخ الحرباء
تأبى الحياة إلا أن تفاجئنا بأسرارها الدفينة والتي كلما حاولنا الكشف عن ألغازها وتعرية خباياها تحدتنا أكثر لتزداد تعقيدا وغموضا، فنقف حائرين عاجزين مقيدين بسلاسل الجهل أمام ما تبديه لنا في مسرح الإبداع الطبيعي بشخصياتها التي تتجلى في مختلف الكائنات الحية بكل أشكالها وألوانها وحجومها…
تتفنن هذه الشخصيات داخل مسرح الطبيعة رغبة وطمعا في البقاء والعيش وطورت أدوار لتتأقلم أكثر كل حسب شكله وحجمه ومميزاته ومن بين هذه الشخصيات هناك كائن عجيب غريب يذهلك كل مرة ويثير فيك تساؤلات كثيرة من خلال الدور المذهل الذي يقوم به كي يخبئ نفسه عن الضوار التي تترصده من جهة وعن الأهداف التي يريد صيدها من جهة أخرى من خلال الميزة التي يوفرها له جلده.
هل عرفت عما نتكلم؟؟ نعم إنّه الحرباء، تستطيع الحرباء تغيير لونها بشكل كلي ليتلاءم مع الوسط الذي تعيش فيه وذلك يمكنها من التمويه عن صيدها وعن مفترساتها وأيضا كي تتأقلم مع الحرارة، وقد اكتشف العلماء مؤخرا فقط الميكانيزم الذي تتبعه كي تتأقلم مع الوسط الخارجي أن هناك جزيئات مجهرية من الغوانين على شكل كريستال داخل خلايا جلد السحلية والتي يتأثر البعد بينها بموجات الضوء الذي تلتقطه وتعكس هذه الموجات فيتغير لون الخلايا وبالتالي لون الجلد.
ورغم ما يبدو لك من غرابة هذه الظاهرة التي تظن للوهلة الأولى عند رؤيتها وكأنها كائن قادم من الفضاء، دعني أخبرك أنك أيضا قادم من الفضاء وأنك تحمل حرباء داخلك تتأقلم حسب الوسط وتتغير حسب الظروف والمواقف التي تتكرر فيها لكنك لا تستطيع رؤيته لأنك تفكر به.
2. دماغك يتغيّر بشكل حرفيّ
كانت القناعة السائدة قديما في الأوساط العلمية أن الدماغ يتوقف عن النمو بعد وصول الانسان لسن البلوغ ولا يمكن استرجاع الخلايا العصبية بعد تلفها، حتى لوحظ أنه بعد تلف أجزاء في الدماغ بسبب انغلاق أحد الأوعية الدموية التي تسبب شلل للأعضاء الخاضعة لسيطرتها، لوحظ أنه بعد تأهيل للمرضى لفترة زمنية عادت بعض العمليات العصبية واستعاد المرضى جزء من وظائف الأعضاء المشلول…
كانت هذه النتائج مفاجئة جدا حتى ظهرت التكنولوجيا الجديدة وأجهزة التصوير الحديثة والتي أحدثت نقلة نوعية في دراسة علم الأعصاب من خلال مراقبة العمليات العصبية كل على حدى وتحديد المناطق المسؤولة عنها في الدماغ.
سميت هذه الظاهرة بالليونة العصبية أو Neuroplasticity وتعرف على أنها قدرة الدماغ على تغيير شكله ووظائفه للتأقلم مع الظروف الجديدة للوسط من خلال إنشاء روابط جديدة بين الخلايا العصبية أو حتى تثبيطها وتبقى هذه العملية حتى وفاة الانسان وتتغير مع التقدم في العمر وتتأثر بالعوامل الخارجية كالوسط والمحيط الذي نعيش فيه والعوامل الداخلية المتعلقة بالنفسية وصحة الجسم وهذا ما يفسر تحسن أدائك مع كثرة التمرين في أي شيء جديد تتعلمه سواء رياضة أو كتابة أو رسم أو آلة موسيقية أو في عملك وعلاقاتك أو حتى في تركيزك وذاكرتك، حيث تلاحظ بعد مدة من قيامك بنفس الشيء أنك تتعود عليه وكأنه سجّل في دماغك وتصبح تقوم به لا إراديا ويفسر هذا المادة البيضاء في الدماغ والمسؤولة عن نقل الرسائل العصبية تتغير لتتأقلم مع المهارة أو العادة الجديدة وتوفرها لك لتنقل الرسالة العصبية بين المراكز العصبية بشكل أسرع وقد اكتشف علماء الأعصاب أنّ هناك أيضا تغيير في المادة الرمادية في عملية مشابهة لليونة العصبية والتي تسمى ب neurogenisis ويعني هذا على عكس المتوقع أن الأعصاب يمكنها التجدد …
3. كيف اكتشف العلاج السلوكي المعرفي؟
في بدايات الخمسينات لاحظ الطبيب النفسي الشاب المتحمس آران باك بعد قيامه بالعديد من الاستشارات النفسية والتي كانت تعتمد على التحليل النفسي الذي يتطلب سنوات من إخراج من المكبوتات، لاحظ باك من خلال أحد جلساته أن عميلته تغير مزاجها فجأة وشعرت بالقلق وعندما سألها عن السبب أخبرت أنها تظنه يراها غير مرغوب فيها، سألها باك بعدها منذ متى تشعر هكذا قالت منذ سنة، فتفاجأ وتساءل كيف لم تخبره بهذا من قبل ثم طلب منها الدليل الذي جعلها تظن هذا وعندما أجابته وجد أنّ إجاباتها لم تكن منطقية وليست مبنية على أساس وأدلة واقعية صحيحة وعندما بدأ في التشكيك في إجاباتها وإعطاء أدلة تثبت عكسها لاحظ زوال قلقها في دقائق من خلال تغيير طريقة تفكيرها ونظرتها له …
قام بعدها باك بتجريب هذه التقنية على عملائه ولاحظ أنه عوض السنتين التي كان يأخذها العلاج من خلال التحليل النفسي أصبح المرضى يشعرون بتحسن بعد أسابيع فقط من الجلسات سمى هذه التقنية بالعلاج المعرفي، ليصبح اسمها الآن العلاج السلوكي المعرفي أو CBT ” cognitive behavioral therapy” ليتم بعدها دعوته للمؤسسات الأكاديمية وتصبح هذه التقنية ثورة في مجال العلم النفس وتجرى عليها مئات الدراسات لإثبات فاعليتها …
4. ماهو العلاج السلوكي المعرفي؟
يعرف العلاج السلوكي المعرفي بأنه علاج نفسي يقوم على تحديد أنماط وطرق التفكير الغير واقعية وغير منطقية وتغييرها بأنماط تفكير حقيقية ذات صلة بالواقع، فمن خلال الجلسات العديدة التي قام بها المختصون استطاعوا تحديد أكثر الأنماط المشتركة بين المرضى وتغييرها وأصبح الآن العلاج السلوكي المعرفي ثورة في الصحة النفسية لعلاج القلق والخوف ونوبات الهلع والاكتئاب والحزن والوسواس القهري وغيرها من الأمراض النفسية …
لتثبت دراسة من مجلة Nature سنة 2016علاقة العلاج السلوكي المعرفي بالليونة العصبية من خلال تتبع متطوعين لمدة سنة يعانون من الرهاب الاجتماعي لعلاجCBT ومن خلال التصوير بالرنين المغناطيسي وجد الباحثون نقص ملحوظ في حجم اللوزتين أو ما تسمى بAmygdala وهي المركز المسؤول عن الخوف والغضب في الدماغ ويفسر هذا الارتباط الوثيق بين الطريقة التي نفكر وعمل دماغنا وكيف يستجيب الدماغ للمعطيات التي نركز عليها ويحذف لنا كل ما نراه غير مهم …
فما هي أكثر طرق التفكير التي تسبب لنا القلق؟ وماهي الانماط التي يشترك فيها كل المرضى النفسيين ويرون العالم من زاويتها؟؟ وهل يمكن أن تكون قد وقعت في أحد هذه الانماط وانت لا تدرك هذا؟؟
روابط الدراسات:
-استجابة الليونة العصبية للعلاج السلوكي المعرفي في الرهاب الاجتماعي “هنا“.
-علاقة التفكير والمشاعر بالليونة العصبية “هنا“