Table of Contents
1. قصّة:
كنت في تربص حول مادة أمراض النساء والتوليد، وأثناء مراجعتي لدرس الدورة الشهرية للمرأة، التي هي عبارة عن تغيرات هرمونية طبيعية تحدث لجسد المرأة كل شهر استعدادا للحمل وتبدأ من سن البلوغ حتى سن اليأس…حيث يمثل الحيض أول أيام الدورة أين يتم فيه نزيف أو إخراج دم من الرحم عبر المهبل كل شهر، وتطرقنا في هذا الدرس بالتفصيل للتغيرات الهرمونية المتعلقة بالاستروجين والبروجيسترون وعلاقتها بالمراكز العصبية في الدماغ وتأثيرها على بطانة الرحم…
وتمر فيها المرأة بأعراض كثيرة كآلام وتشنجات في البطن وأسفله، آلام أسفل الظهر، تعب، صداع، انتفاخ وألم في الثدي، زيادة في النوم، زيادة الشهية، تقلبات مزاجية حادة، غضب وعصبية وقلق وحساسية زائدة، انتفاخ في البطن، إسهال أو إمساك، وارتفاع الالتهابات الذي يظهر في زيادة حب الشباب في الوجه …وقد تكون هذه الأعراض حادة لدى بعض النساء لدرجة تشل حياتهن اليومية…
أثناء مراجعتي لهذا الدرس، خطر في بالي سؤال مهم! تخسر النساء حوالي من 30 إلى 60 مل من الدم كل شهر!! وتمر بكل هذه الأعراض المزعجة التي قد تشل حياتهن!! وتقلبات مزاجية حادة تؤثر على علاقاتهن! من أجل بويضة الاحتمال الأكبر أنها قد لا تلقح؟؟ تخسر النساء كل هذه الطاقة والدم والمعادن والمغذيات كل شهر على مدار ثلاثين أو أربعين سنة من حياتها وربما لا تنجب أطفال أصلا أو تنجب ولد واحد وتلقح بويضة وحيدة والباقي كله هدر للطاقة والمدخرات!! لماذا لم يكن هناك ميكانيزم
طبيعي تحمل من خلاله المرأة مباشرة بعد دخول النطاف وارتباطها مع البويضة بدون دورة شهرية وبدون خسارة كل هذه الطاقة؟؟ ميكانيزم أو آلية تحفز فيه دخول نطاف
الرجل إفراز البويضات ومن ثم تلقيحها مباشرة وبكل ببساطة! مالحكمة من كل هذه الطاقة المستنزفة والضائعة؟؟ لماذا توجد دورة شهرية وحيض لدى الانسان ولا توجد عند أغلب الحيوانات؟؟ مالغاية من الدورة الشهرية؟؟
2. المجتمع والدورة الشهريةعند المرأة:
لقد ارتبطت الدورة الشهرية عبر التاريخ بأساطير وخرافات وعادات جعلتها تقترن بالعيب والعار وتم على أساسها الحكم على النساء بتقاليد شنيعة في أغلب المجتمعات تحط من قيمتهن وحتى قد تعرض حياتهن للخطر، فقد اعتقد الرومان قديما أن سقوط قطرة دم من حيض المرأة على المحاصيل الزراعية من شأنها أن تجعل المحاصيل تذبل، وتجفف البذور بالحدائق، وتتسبب في سقوط أشجار الفاكهة، وتقتل النحل… وإلى الآن يحدث في النيبال عزل البنات والنساء في فترة الحيض في أكواخ خارج القرية ومبيتهن لوحدهن بدون مأوى أو رعاية صحية ونفسية سليمة، والديانات مثل الهندوسية يحرم على المرأة دخول المعابد والطهو ويجب ألا تنام في النهار أو تسبح أو تمارس الجنس أو تلمس أناس أحياء، وفي الديانة اليهودية تعتبر المرأة طوال فترة الحيض نجسة وتمنع من دخول المعابد وأي شيء تلمسه أو تجلس عليه يصبح نجس و أي شخص يلمسها أو يلمس أغراضها يعتبر نجس وعليه الاغتسال، وفي باكستان تقول العادات أن استحمام المرأة أثناء دورتها الشهرية يسبب العقم ولاقتران الحيض بالعيب والعار في تلك المجتمعات لا تستطيع النساء شراء فوط صحية فتستعمل النساء قطع من القماش فقط ويستحين من غسلها ونشرها فيسبب لهن خطرا كبيرا للعدوى والاصابة بالأمراض…
كل هذه الخرافات والأساطير وغيرها الكثير منبعها الجهل والتمسك بالعادات والموروث، فالانسان عدو ما يجهل، فمالحكمة من وجود هذا الميكانيزم الفيزيولوجي أو الوظيفي لدى النساء؟؟ مالغاية من وجود دورة شهرية لدى الانسان؟؟ ومالتفسير العلمي لها؟؟
على عكس كل ماهو سائد ومعروف أغلب الحيوانات لا تمتلك دورة شهرية، عدا القردة العليا والانسان”Higher Primates” وبعض أنواع الخفافيش، ويظن الكثير أن الكلاب لديها دورة شهرية لكن في الحقيقة الدماء التي تفرز لديها مصدرها المهبل وليس الرحم وغير مرتبطة بتغيرات هرمونية كما يحدث لدى القردة العليا، وتعتبر كمية النزيف “الحيض” لدى الانسان أكثر بكثير من باق الحيوانات، أين يتم فيه خسارة كميات كبيرة من الدماء والمغذيات والمعادن، وللإجابة عن الغاية من الدورة الشهرية وهذا الهدر من الطاقة علينا أولا التطرق إلى أكثر علاقة مقدسة لدى البشر، علاقة الجنين بأمه أو الحمل…
3. أسرار الحمل والصراع بين الأم والجنين:
عندما نتحدث عن الحمل يتبادر إلى أذهاننا تلك الصورة الرومانسية اللطيفة البريئة التي تتمنى كل امرأة خوضها، عن الأم التي تحمل كائن في جوفها، حب لا متناه تشارك فيه الأم مع جنينها كل شيء فيها وتوفر له الوسط المناسب والحماية والأمان، لكن عندما نجرد هذه الصورة ونراها على حقيقتها نجد أن الحمل تجربة مزعجة جدا ومؤلمة وقد تكون خطيرة على صحة الأم واحتمالية إصابتها بمضاعفات الحمل تتجاوز 15%، وتمر فيها الأم بأعراض جانبية كالغثيان والارهاق، آلام أسفل الظهر، عدم القدرة على حبس البول، تقلبات في ضغط الدم، ارتفاع نسبة السكر في الدم، تقلبات في النوم، تغيرات مزاجية وقلق من حدوث مضاعفات ومن ألم وخطورة الولادة…
ربما لا تتذكر هذا، لكنك يا صديقي خضت سباق طويل جدا مع عشرات ملايين النظاف الأخرى “إخوتك المنافسين” للفوز بالحياة وتلقيح البويضة، بعد تلقيح البويضة داخل الرحم تلتصق البويضة الملقحة ببطانة الرحم، وتحدث انقسامات كثيرة وتزيد في الحجم والوزن، تتغلل هذه الخلايا داخل جدار الرحم عبر ما يسمى بالمشيمة أو “Placenta” هذه المشيمة التي تعتبر جزء من الجنين هي أداة الوصل بين الأم والجنين، والتي تتمثل عند الحيوانات في مجموعة من الأوعية الدموية للجنين يفصلها فراغ عن الأوعية الدموية للأم أين يتم تبادل المغذيات بين الأم وجنينها، وعند فصيلة الجرابيات مثل الكنغر لا تسمح الأم للجنين بالاقتراب من دمها بل تغذيه عبر سائل أشبه بالحليب، بينما عندما القردة العليا والانسان تختلف المشيمة في كونها “مشيمة دموية” أو “Hemochorial Placenta” بحيث كوّنت رابطة أقوى بين الأم والجنين واتصال المباشر بين دم الأم ودم الجنين دون أي عراقيل وكأنه عضو ونسيج من أعضاء الأم الأصلية…
بعد التصاق البويضة الملقحة ببطانة الرحم، تتغلغل داخلها وتتكون المشيمة التي تغزو بطانة الرحم وتفرز هرمونات تساعد الأوعية الدموية للمشيمة للاتصال مباشرة بالأوعية الدموية للرحم، وتعمل أيضا هذه الهرمونات على منع الأوعية الدموية للأم من الانكماش والتقلص ومن هذه اللحظة تفقد الأم السيطرة تماما على تدفق الدم للجنين ويصبح حرفيا الجنين أحد أعضائها الرئيسية وإذا أرادت منع الدم من الوصول إليه عليها قطعه على جميع أعضائها الرئيسية، ومن هنا أصبح الجنين ضيف ثقيل داخل جسم الأم، هذه الآلية لا تتوفر عند باق الحيوانات “غير القردة العليا” أين تتحكم الأم بكل شيء يصل لجنينه وتبقى هي المسيطر على الحمل وحتى تستطيع التغذي على جنينها وامتصاصه إذا اجتاجت لذلك، هذا يعني باختصار أن الجنين عند الانسان يستطيع الاتصال بشكل مباشر وبدون أي شروط بدم الأم وإفرازه للهرمونات للتحكم بما يجري داخل جسم الأم، هذا يجعله يتحكم بنسبة السكر في دم الأم وبضغط الدم وبتوسيع أوعيتها الدموية ليصله أكبر نسبة من المغذيات والاكسجين، وحتى قد وجد الباحثون خلايا من الجنين انتقلت عبر المشيمة إلى دم الأم ومنه إلى دماغ الأم، ووجد أن نسبة هذه الخلايا قليلة لدى المصابات بالألزهايمر، وأثناء بحث العلماء عن فائدة هذه الخلايا داخل جسم الأم تم زرعها لدى فأر مصاب بتلف في أنسجة القلب وساعدت هذه الخلايا على تجديد وصيانة هذه الانسجة منها رجح الباحثون أن هذه الخلايا الجنينية الجذعية التي جيناتها تختلف عن جينات الأم تساعد في حماية أنسجة الأم وتقيها من الالزهايمر وتقوي مناعتها وتحميها من الإصابة بالسرطان لكنها تجعلها أكثر عرضة للاصابة بالأمراض المناعية الذاتية…
والآن ركز معي جيدا يا صديقي لأن الأمور ستزداد إثارة وتعقيدا…
هذه التصرفات الأنانية من الجنين جعل العلماء يرجحون نظرية للصراع بين الجنين وأمه، فمن وجهة النظر التطورية يريد الجنين الحصول على أكبر قدر من المغذيات والطاقة كي يضمن بقاءه بينما تريد الأم ادخار الطاقة لها ولأبنائها القادمين وألا تستنزف كل مدخراتها في هذا الجنين، ودعموا هذه النظرية “الصراع بين الأم والجنين” بظواهر تحدث أثناء الحمل منها:
-الصراع بين الغشاء الساقطي للرحم وبين المشيمة: تتوسع وتتغلغل المشيمة للجنين بقوة داخل الرحم وكي تحمي الأم نفسها من هذا التوسع الذي قد ينتقل لباقي أعضائها تقف خلايا الغشاء الساقطي “Decidual cells” كجدار حماية يوقف غزو المشيمة ويستدعي الخلايا المناعية القاتلة للأم “NK cells” كي تقتل أي خلية خارجة عن سيطرة من المشيمة…
-الصراع حول السكر: أثناء الفصل الثالث من الحمل، بعد أن تتناول الأم وجبتها الغذائية تبقى نسبة السكر في الدم مرتفعة لفترة طويلة على غير العادة، هذا يرجع إلى قلة فعالية الانسولين في تعديل بسبب تأثير الهرمونات التي يفرزها الجنين خاصة هرمون “Placental Lactogen” الذي تفرزه المشيمة ويعمل على مقاومة الخلايا للأنسولين وبهذا تبقى نسبة السكر مرتفعة في الدم ويضمن الجنين وصول “التحلية” إليه…
-الصراع الجيني بين جينات الأم والأب داخل الجنين: تمتزج جينات الأم والأب داخل الجنين، لكن يحدث صراع بينها في التعبير عن بقاء الجنين فجينات الأب تحفز نمو المشيمة “فالأب كطرف ثالث في المعادلة لا يهمه بقاء الأم بقدر ما يهمه بقاء جيناته داخل الجنين لأنه لا يضمن أن ابنه القادم سيكون من نفس، ونحن هنا نتحدث من وجهة نظر تطورية يعني تحصل من دون وعي كل الاطراف” بينما جينات الأم داخل الجنين تعمل على تثبيط غزو المشيمة…
لكن السؤال هنا…
4. لماذا يملك الانسان والقردة مشيمة الدم التي تعطي اتصال مباشر مع دم الأم؟؟
يرجح العلماء أن السبب يكمن في تطور دماغ الانسان مقارنة بحجمه، دماغ القردة العليا أكبر بكثير من باق الحيوانات هذا يجعله يستهلك الطاقة بشكل أكبر ويحتاج مغذيات وأكسجين أكثر لنموه وهو ما جعل المشيمة تتطور لتعطيه إمكانية الوصول بسهولة لمنبع الأم لكن لم يوجد بعد أدلة علمية حقيقية تدعم هذه الفرضية…
والآن ما علاقة كل هذا بالدورة الشهرية للقردة العليا؟؟ ما علاقة الحمل والمشيمة الدموية والصراع بين الجنين وأمه بالحيض والدورة الشهرية؟؟
الحمل لدى أغلب الحيوانات تتحكم فيه الأم بكل شيء، حتى الجنين تتحكم الأم بحياته أو موته وتسطيع أن تتغذى عليه وتلتهمه وتمتصه وهو في بطنها إذا احتاجت له، لكن الأمر مختلف تماما لدى الانسان والقردة العليا فمنذ أن تتكون المشيمة وتتصل بدم الأم تفقد هذه الأخيرة السيطرة تماما على الحمل، لهذا فالحمل عند الانسان يتطلب طاقة كبيرة ويمثل خطر على صحة الأم واحتمالية اصابتها بنزيف حاد، وجهد كبير واستثمار لوقتها وطاقتها ومغذياتها، وحتى بعد ولادتها للجنين تعتبر فترة الطفولة لدى الانسان هي الأطول مقارنة بباق الحيوانات، ومن هنا كان على الأم أن تضمن أن خوضها لهذه التجربة الخطيرة وصراعها مع الجنين واستثمارها لن يذهب هباء، وعليها التأكد من أن استثمارها ناجح أو سينجح، وعليها أن تخضع الجنين لمجموعة من الاختبارات كي تتأكد من قوته وسلامته وقوة تحمله ويستحق أن تخاطر من أجله وأنه مشروع ناجح وليس جنين ضعيف قد يموت أثناء الحمل وتضيع معه الكثير من الطاقة والوقت، وهنا تأتي بطانة الرحم!
5. السر في بطانة الرحم:
لا بد أنك سمعت من قبل عن أن بطانة الرحم هي مثل غرفة الضيوف تنتظر ضيفها الذي هو البيضة المخصبة كي تستقبله وترحب به وتحتضنه لكن الحقيقة هي العكس تماما!!، جرّب العلماء غرس بويضة مخصبة لفأر في مناطق عديدة من جسمه، وعلى عكس المتوقع وجد أن بطانة الرحم هي أكثر منطقة قساوة وصعوبة على البويضة المخصبة للالتصاق بها، لهذا تعتبر بطانة الرحم اختبار مميت وخطير للبيوضة المخصبة والتي تسمح للأجنة القوية والمتماسكة فقط بالالتصاق والمرور عبرها، فالجنين يريد الالتصاق بسرعة وربط المشيمة بالرحم وبطانة الرحم التي تكبر أكثر وأكثر وتكون بطانة الرحم مثل الجدار الذي يعيق تقدمه، وبهذا تضمن الأم أن الأجنة الضعيفة لن تنجح في الالتصاق بالرحم بسبب هذا الاختبار الصعب…
لكن هذا خلق مشكل آخر، ماذا لو لم يستطع الجنين المرور عبر بطانة الرحم أو مات الجنين بعد نمو المشيمة، هذا سيمثل خطر كبير على الرحم وعلى الأم كالعدوى خصوصا عند احتوائها على نسيج ميت ووجود وتراكم بقايا كثيرة للأجنة داخل رحمها، هذا يجعلها أكثر عرضة للعدوى والتعفن، واصابتها بأمراض خطيرة…
وهنا وجدت القردة العليا ومن بينها الانسان الحل!…وهي في حين عدم استشعار نمو المشيمة وعدم نمو الجنين وحدوث الحمل تقوم بخلع كل الطبقة السطحية لبطانة الرحم بكل محتوياتها والتخلص منها هذا سيضمن طرد وتنظيف كل المواد العالقة وإفراغ الرحم وتطهيره من احتمالية الإصابة بالعدوى…وهذا ما يسمى بالحيض…
أشبه هذه العملية بشخص تم سؤاله: أين أذنك؟؟ فرفع يده اليمنى ومررها خلف رقبته وأمسك أذنه اليسرى وقال “هذه هي…”، قد تبدو هذه الآلية غبية لكنها فعالة وقد نجحت عبر مئات آلاف السنوات لضمان بقاء القردة العليا والانسان وتحدث كل شهر لأن هذه الكائنات لديها القدرة على الانجاب طوال السنة وليس مثل باق
الثديات تكون فترة الاخصاب فصلية “وقت معين في السّنة”…
فعندما تتساءل لماذا على المرأة أن تمر بكل هذه التقلبات وتخسر الدماء والطاقة ولم يوجد آلية بسيطة تخصب بها المرأة مباشرة دون المرور على كل هذه المراحل يكون هذا الميكانيزم هو التفسير الأمثل من الحلول الترقيعية الغبيّة الفعّالة التي هدفها وهمها البقاء وليس التصميم الذكي والاقتصادي وراحة الكائن …
لا اعرف ان تذكرتني لكني الطالبة التي كنت اعاني من الام حادة مميتة مفاجأة بعد الدخول الجامعي اسفل الظهر بعد الكشف عند الطبيب لم يكن هناك مشكل عضوي يبرر الالم المفاجئ والحاد
المهم بعد عديد من التطليعات والتهبيطات كان السبب الرئيس تاخر الدورة الشهرية🙂(ظهور جميع الاعراض الجانبية مع تاخر نزول الحيض)اضافة لبعض عادات الجلوس الخاطئة التي زامنت تلك الفترة بعد تناول مجموعة من المسكنات والفيتامينات وبعد نزول الحيض وبعد مدة الحمد لله زال الالم طبعا لايخلق الله شيئا عبثا ولكن الدورة الشهرية لبعض الفتيات =الرعب حرفيا اعاننا الله اما الذكور فانتم في نعمة احسنو عون البنات وشكرا