Table of Contents
ماهو التعلّق المرضي؟؟ ولماذا نتعلّق بأشخاص لدرجة نشعر أنّ حياتنا ستنتهي بدونهم؟
1. أنت بهلوان في السيرك
يعتبر السرك من أفضل العروض الممتعة التي قد تشاهدها في حياتك من خلال الألعاب البهلوانية والحركات الغير مألوفة والمجازفات الخطيرة، كان من بين الألعاب التي شدت انتباهي لعبة “التعلق في الهواء” حيث يتعلّق أحد اللاعبين بحبل على بعد ما يقارب عشر أمتار ويتعلق لاعب آخر به ويقومون بمجازفات بهلوانية خطيرة وأي خطأ طفيف قد يودي بأحدهما أو كلاهما إلى الهاوية، الضغط الكبير يكون على اللاعب الثاني لأنّه يعتمد بشكل كلي على زميله ويتشبث به وكأنّ أو لأنّ حياته بيد هذا الشخص …
يدوم العرض ربما عدة دقائق وسط صمت رهيب وترقب وخوف وانبهار من الجماهير وعند انتهائه تنفجر القاعة بالتصفيق والهتافات والصيحات…
قد تتفاجأ في مهارتهما في البهلوان والتعلق والاحترافية والقوة التي يمسك أحدهما الآخر لكن دعني أخبرك يا صديقي أنك أيضا متعلق بارع بالفطرة والفرق الوحيد بينكم أنك دائما تسقط وتتحطم.
2. العلاقات الانسانية
تعتبر العلاقات الانسانية من أعقد وأهم القيم في الحياة للدراسة وفهم جوهرها وغايتها الروحية والنفسية والاجتماعية، منذ بداية تاريخ البشرية كان علينا أن نتعاون ونتحد كي نستطيع مواجهة تحديات الطبيعة والحياة والحفاظ على نسلنا وبقاء جنسنا …
هنا كان للانجذاب الجنسي والجسدي دور كبير في حثنا على التزاوج وإنجاب الأولاد، بحيث تشعر بانجذاب كبير ومشاعر جياشة، ينبض قلبك بقوة، يحمر وجهك، تأتيك رعشة، تتسع حدقة عينك، تشعر وكأن الزمن قد توقف، هذه المشاعر كانت العامل الرئيسي لبقائنا…
لكن مالسر وراء هذه المشاعر؟!!! مالسر وراء هذه الأعراض؟!! مالذي يجعلنا بشدة نتعلق بهذا الشخص؟!!! والأهم من هذا لماذا نتعلق ونربط حياتنا بالشخص ونخاف ونرتعب من خسارته؟!!!
3. الدوبامين والتعلّق المرضي
إنه “الدوبامين“… أحد أهم الهرمونات التي يفرزها الجسم، يلعب دور كبير في الحركة ويسمى بهرمون الانجاز لأنه يعطي متعة كبيرة وحالة من الراحة والرغبة والشهوة، كان لهذا الهرمون الأثر الرئيسي لنجاحنا لأنّه شكّل الحافز للإنسان كي يستطيع الخروج والصيد والبحث عن الطعام والجنس حينها يشعر باللذة والمتعة والرغبة في البقاء والعيش…
ما علاقتك أنت بالدوبامين وما علاقته بتعلقك بشخص ما؟!!!
يفرز هذا الهرمون في حياتنا اليومية اثناء الأكل وبكميات قليلة أثناء جلوسنا مع الأصدقاء، إنجازنا لعمل ما أو تحقيقنا لهدف معين هذا يجعلك ترغب أكثر في التحقيق والاندفاع ويعطيك الحماس لتقدم أكثر في حياتك حتى تلتقي بذلك الشخص فيخفق قلبك لأوّل مرة، ويتفجر الدوبامين في عروقك، تشعر وكأنك ملكت العالم، تنسى كل الأطعمة اللذيذة والانجازات التي حققتها، تنسى من أنت ومن تكون، تدخل في عالم لوحدك وتبدأ قصتك التي سأحكيها لك الآن باختصار.
تشعر برغبة شديدة في التحدث للشخص وكأنّ الملائكة تحملك وتقودك نحوه، تشعر بفضول شديد للتعرف عليه لمعرفة من هو؟ اسمه؟! سنّه؟! هواياته؟! كتبه المفضلة؟! علاقاته؟! وتشاء الأقدار أن تتعرف عليه ويحبك وتحبه ( تفرز الدوبامينات لديكما) إنّها أسعد لحظات حياتك، تتساءل كيف كنت تعيش بدون هذا الشعور وبدون هذا الشخص حتى تبدأ فجأة بالتعلق بهذا الشخص…
يعمل دماغك بميكانيزم معين يسمى “التعزيز” وهي الرغبة في الزيادة، حيث يعتاد دماغك على الجرعات العادية ويطمع دائما في المزيد، تصبح الكميات التي يفرزها غير كافية لاستخراج نفس الحالة التي حدثت لك المرة الأولى لذا تشعر أنّك ترغب في المزيد، ستتخلى مع الوقت على الأمور الاعتيادية التي كانت تعطيك المتعة كالإنجاز والعمل والأصدقاء أو حتى الأكل تشعر بنفور منها، كيف لا وقد وفر لك ذلك الشخص أضعاف تلك المتعة ودون تعب منك، تبدأ ببطء بالانفصال عن الحياة والتفكير بذلك الشخص ومع الوقت يصبح حرفيا ذلك الشخص كل حياتك، وسيلتك الوحيدة للمتعة، وسيلتك الوحيدة لتذوق الحياة، هنا تصبح حياتك معلقة بالشخص ولأنّك ستتعود أيضا على الجرعات التي أعطاها لك ستبدأ في طلب المزيد وبعد أن كانت مجرد نظرة أو كلمة منه تثيرك ستبدأ في طلب الاهتمام والتلاق الجسدي …
ألا تظن يا صديقي أن كل الرضوض والكدمات والكسور التي تعرضت لها من السقوط أثناء التعلق كافية!! وأنك ربما لا تصلح لهذه اللعبة!!
ألعاب السرك كثيرة جرب أن تكون مروض أسود
4. الهرمونات والحب
وجد العلماء الارتباط الوثيق بين الهرمونات وعلاقتها بالمشاعر بشكل عام كهرمونات الحب والخوف والغضب والاستمتاع والسعادة، من بين أهم هذه الهرمونات هو “الدوبامين” وارتباطه الوثيق بمشاعر التعلّق المرضي والادمان بأقرب الناس إليك خاصة ما تسميه حبيبك
فكيف تؤثر فينا هذه الهرمونات؟؟مالذي يجعلك تشعربالشغف نحو ما تسميه توأم روحك؟؟وهل ماتعطيه الدوبامينات هو حب حقيقي؟؟ مالفرق بين الحب والتعلّق المرضي ؟؟!
دعني أحكي لك يا صديقي قصتك مع الدوبامينات…
5. أليست هذه هي قصّة حبّك؟
لقد كنت تعيش حياتك في روتين معين، لديك مجموعة من الأهداف تجري خلفها في بحثك عن الاعتراف من غيرك، وكنت تبحث عن المتعة من خلال جلسة مع أصدقائك أو نجاح معين “شهادة، عمل، ترقية” أو رياضة أو الإعجابات التي يجاملك بها أصدقاؤك حول صورتك الجميلة في مواقع التواصل أو تكثر من الأكل والحلويات، وقد تلجأ إلى طرق ملتوية مثل التدخين والمخدرات والأفلام الاباحية لتوفر لك بعض المتعة اللحظية وكان عليك تقديم الكثير خلال اليوم كي تنام بمتعة قليلة تنسيك بعض الألم والمعاناة والضغط والتوتر الذي تعيشه في حياتك، وبالرغم من كل ما كنت تفعله أو بالأحرى ما كان جسمك يجبرك على القيام به كي تحصل على الدوبامينات فقد كنت تعيش الملل وتشعر بأنّ هناك شيء ما ينقصك، شيء ما تريد اللجوء إليه، شيء ينسيك كل المعاناة ويخدر لك الألم ويضيء الظلمات التي تعيشها في حياتك، إلى أن التقيت به! ودخلتما فجأة في عالم لوحدكما تختفي فيه كل الحدودا لنفسية وتذوب فيها القطبية لتصبحا شيئا واحد، في تلك اللحظة تشعر وكأن مغناطيسا داخلك يجذبك نحو الشخص ينفجر الدوبامين في عروقك يروي كل أعضاء جسمك… إنها “الحياة” لقد ولدت من جديد…
لقد وجدت لغز الحياة!، وجدت الدواء لكل ألمك إنه هو “الحب”… تبدأ في البحث والسؤال عنه من أصدقائك من مواقع التواصل، تريد معرفة كل شيء عنه لتغذي فضولك، إنّ دماغك هنا يريد أن يستغل أي فرصة كي تفتح نقاشات معه وتأخذ أكبر قدر من الدوبامينات إلى أن تتحدثا لبعضكما وتتسع حدقات عينيكما أنت تريد رؤية كل شيء فيه! ألاّ تفوّت أي تفصيلة منه ويندمج الخوف والحب ويحصل التوافق بينكما هنا وفي هذه اللحظة تكون قد ملكت العالم …
يعمل الدماغ بنظام “التعزيز” بحيث يطلب منك الزيادة دائما، الكمّيات اليومية تصبح غير كافية لإشباع حاجيات الدماغ وهذا ما يفسر مبدأ التعوّد، تشعر باللذة والمتعة في بداية أي شيء ثم مع الوقت تصبح شيء روتيني عادي وهذا الميكانيزم مهم لأنّ الجسم يعمل على الحفاظ على الطاقة…
ولأنّ دوبامينات توأم روحك قوية جدا تبدأ تدريجيا في التخلي عن العادات التي كانت تغذيك من قبل، تفقد كل الأشياء التي كنت تقوم بها لذّتها، فماذا تساوي بضع دنانير مع الملايين التي لديك، ستتخلى ببطء عن أصدقائك، عن شغفك بالعمل، عن رغبتك في الإنجاز، وحتى عن بعض عاداتك السيئة، يصبح ذلك الشخص حرفيا كل حياتك وكل ما تملك، الآن صار هذا الانسان مصدرك الوحيد للدوبامين، هنا بدأت بالتعلّق يا صديق …
ومع مرور الوقت تعتاد الجرعات اليومية التي يغذيك بها وتطلب التعزيز فالكلمات والنظرات التي كانت تثيرك وتحفزك وتشعل نار الرغبة فيك صارت مع الوقت عادية، لقد صرت مدمن عليه وتريده أن يزيدك أكثر، سلّمته كل شيء فيك، وبعد أن صارت حاجياتك ملحة جدا وصرت كالطفل الرضيع الذي يريد حليب أمّه لم يعد كلاكما قادر على تغذية الآخر لأنّ هناك حد لا تستطيعان تجاوزه حتى بعد إشباع الرغبة الجنسية…
ولأنّه أصبح مصدرك الوحيد للدوبامين فعليك حمايته بعد أن تخليت عن كل شيء في حياتك، ستبحث من دون وعي منك على الإحاطة به وسجنه وتقييده، أي شيء طفيف قد يقوم به خارج العادة يصبح تهديدا لك، والذي يبدو لك أنه حرص وحب لكنك في الواقع تستميت وتطلب “دوباميناتي!!!!”
تعيش في شك رهيب، تفقد العلاقة اللذة التي كانت تعطيها وفي نفس الوقت تخاف خسارة ما تبقى من دوباميناتك فتتأرجح العلاقة بين الشك والخوف وتتصاعد غيرتك إلى حد الجنون وتنشأ المشاكل والمشاحنات أن كل واحد لم يعد يشعر بالإشباع الكاف والتي تظهر في طلب كل منكما للاهتمام والأمان والضمان، وأصابع الاتهام التي يحمّل فيها كل واحد سبب معاناة الآخر ويتهمه أنه تغيّر، وهذا إن لم تكن مع شخص مبتز يهددك بإنهاء العلاقة أو تلاحظ خيانته لك، حينها ستشعر بوخز كبير في قلبك وكأنّ سكينا قد طعنتك وتظهر عليك أعراض الانسحاب من الادمان وتدخل في كآبة وحزن، فبعد أن ملكت العالم ورأيت جنان الأرض ستعيش الجحيم بعينه وبعد أن علّقك ورفعك هذا الشخص إلى أعلى سماء سيتركك تسقط من ذلك العلو الشاهق…
ولأنّك لم تفهم ما حصل لك ستحمل الشخص كل المسؤولية وتصرعنا بمنشوراتك عن الخيانة والحب المؤلم وعن كونك ملاك قد وقع ضحية شيطان، ونصائحك بأن لا تعطي قلبك من لا يستحقه…
حتى تتعافى قليلا وتعود إلى حياتك الطبيعية وتلتقي بشخص آخر فينبض قلبك مرة ثانية وتعيد الكرة مع هذا الشخص ويتركك تسقط من مكان أعلى من الشخص الأول هذه المرة ستخبرنا ألّا نثق فيا لحب أبدا …
6. مشكلتنا الحقيقية مع التعلّق المرضي:
مشكلة التعلّق المرضي تكمن في أننا لا نجد أنفسنا!، لا نعرف من نحن!، لا نعرف هويتنا وهذا الشخص الذي يجب أن نستثمر فيه … وفي أوّل تلاق مع شخص قد يبدو متوافق معنا نرمي عليه أنفسنا، نحمله كل أثقالنا نعوّض النقص الذي في أنفسنا بذلك الشخص ونستثمر فيه كل مجهوداتنا، نريد أن نوصله للصورة التي لم نستطع نحن أن نلبيها في أنفسنا تلك الصورة التي عجزنا عن تحقيقها …
وعندما لا يريد او لا يستطيع الشخص الوصول للصورة التي أردناها نحمّله كل المسؤولية نحمله الضياع الذي صرنا عليه نحمله الألم والمعاناة التي نشعر بها …
وارتباطنا بالشخص ليحقق الصورة المرجوة يجعلنا مقيدين به، متعلقين عليه ومعلقين، به يجعلنا نشعر بعدم الأمان والخوف…
يقول إيكارت تول في كتابه قوة الآن
فهل يمكن أن نبني أقدس العلاقات الإنسانية على الادمان والتعلّق المرضي؟!! وكيف نصل إلى الحب الحقيقي؟؟ وماهو الحب أصلا؟!!
الإجابة في هذا المقال