لماذا تشعر دائما بالقلق والتوتر من أبسط الأشياء في الحياة؟؟وتشعر أنّ الغد مظلم وأصعب؟؟
قصة:
يحكى أنه دخل أحد الجنرالات الرّوس على الزعيم ستالين أثناء الحرب العالمية، وأخبره أنّ رجلا في الخارج يطلب ملاقاته ويدّعي أنّ لديه معلومات سرية ونبوءات وتوقعات
للمستقبل ولمسار الحرب، وقبل أن يُنهي الجنرال حديثه صرخ ستالين في وجهه: أخرج واقتله على الفور!، عاد الجنرال بعد دقائق وقد قتل العرّاف متعجبا من أمر ستالين ثمّ سأله لماذا أمرت بقتله وقد كان يريد مساعدتنا بنبوءاته؟! تبسم ستالين وردّ عليه: لو كان يعلم الغيب لما أتى لموته!
بغض النظر عن صحة القصة، وعن الانطباع الأولي الذي خطر في بالك عن العراف الأحمق الذي لم يكتف بعمله مع البسطاء من العقول وعامة الناس، وقرر الحصول على منصب وجاه من خلال النصب والخداع متناسيا ذكاء وحنكة ودهاء الزعيم ستالين ليلاقي حتفه نتيجة غبائه، دعني أخبرك أنّه للأسف وفي الكثير من الأحيان أنت تتصرف
مثل هذا العرّاف بل وقد تكون أصبحت عرافا وتلاقي حتفك في الكثير من المواقف اليومية دون وعي منك.
لماذا تحتاج أدمغتنا إلى القلق:
تطوّرت أدمغتنا على مدار العُصور للتعامل مع الظروف القاسية والمواقف الخطيرة التي تستدعي التحليل الفوري للأحداث ورد الفعل السريع الذي قد يمثل الخط الفاصل بين الحياة والموت في تلك الظروف، لهذا صارت أولوية دماغنا الأولى والرئيسية تحديد ما يشكل تهديدا على حياتنا.
وكموسيقىالأوركسترا التي تجتمع فيها كل الآلات الموسيقية بشكل متناسق ومنسجم كي تعطي لنا معزوفة جيدة، تجتمع ملايير الخلايا العصبية الدماغية فيما بينها لتتصل وتتشارك
المعلومات لتعطينا معزوفة نسميها نحن ال”فكرة”، فالأفكار هي نتيجة العملية العصبية وتعاون ملايير الخلايا العصبية لخلق تجربة وهمية مستقلة عن الواقع داخل أدمغتنا. فالذهن والعمليات العقلية هو نتيجة لتناثر الأفكار العشوائية داخل دماغ الانسان الضخم، يأخذ الذهن تجارب الماض من الذاكرة ويتوقع ما سيحدث في المستقبل من خلال الأفكار التي تبدو لك وكأنك تحدث نفسك كالمجنون. هذا الميكانيزم الذي تطور ليحمينا وللتعلُم من تجارب الماض وتوقع ما سيحدث بناء على ما مررنا به، أو حتى ما مرّ به أسلافنا، كردود فعلنا الفطرية عند رؤية الحيوانات الخطيرة التي تكبرنا حجما أو تمتلك سُما، يحتل حصة كبيرة من نظام تفكيرنا كنظام أمان مهمته البقاء.
لكن يحدث لدى كثير من الناس أن يتم خرق هذا النظام، ويصبح نظام الأمن حاد جدا وحساس جدا لأي ظرف، ويفقد الانسان السيطرة على أفكاره وعلى الميكانيزم من خلال طريقة التفكيرالخاطئة التي تدخل كالفيروس داخل أنطمة الدماغ وتعبث بعملياته لتخلق العشوائية في التفكير فيصاب الشخص بالخوف أو القلق المزمن، هذا الخطأ في التفكير أو التشوه المعرفي الذي نتحدث عليه هو “القفز إلى النتائج”.
أهم تشوّه معرفي وخطأ في التفكير يسبب القلق:
القفز إلى النتائج هو تصديق تنبؤات عقلية مستقبلية لم تحدث بعد غير مدعومة بأدلّة حقيقية وواقعية بناء على أفكار عشوائية، أو كما ذكرنا في المثال أن تصبح عرّافا، وتعوُّدنا على هذه الطريقة في التفكير يخلق القلق المزمن والتوتر.
الأداة الأكثر استعمالا لهذا التشوه المعرفي والتي نخاطب بها أنفسنا و تسبب لنا توتر وضغط نفسي رهيب هي “ماذا لو؟” كأن تقول: ماذا لو فقدت السيطرة على نفسي؟ ماذا لو جننت؟ ماذا لو حصل لي حادث؟ ماذا لو فشلت في الاختبار؟ ماذا لو قلت كلام غير لائق؟ ماذا لو لم يعجبهم العرض؟ ماذا لو سقطت؟ ماذا لو خسرت عمل؟ ماذا لو توفي قريبي؟ ماذا لو مرضت؟ ماذا لو سقط علي هذا الشيء؟ ماذا لو تقطع سروالي؟ماذا لو فشلت علاقتي وتخلت عني؟ ماذا لو تطلقت؟ ماذا لو طردني مديري؟
لقد تعوّدنا على ما يحدث داخل دماغنا من الصغر، على مخاطبة أنفسنا والأفكار والخواطر والحيل والمشاعر، حتى نسينا مراقبة أنفسنا وأصواتنا الداخلية، نسينا أنّ هذا الدماغ هو أداة مستقلة عنا، أداة ووسيلة نستعملها، ومع نسياننا لهذا فقدنا السيطرة عليها حتى صارت هي تستعملنا، هي من تقودنا، لتنفجر الأفكار داخلنا دون سيطرة وتحتل كل نظامنا
وفكرنا، ونسينا أن ما يقوله الذهن مجرد وهم، مجرد توقعات وهلوسات، فنركض خلف كل توقع وكأنه ما سيحدث فعلا وكأننا نرى المستقبل حقا ونصدّقه، ثم نرفض تبعاته، ونحاول مقاومة الوهم على أساس أنّه حقيقة، ونغذي الفكرة لتسجل في الذاكرة وتحتل مساحة من فكرنا، وكل ما قاومناها تكبر وتتضخم حتى تسيطر علينا ولا نستطيع التغاضي
عنها، فتصبح وسواس قهري أو توتر أو قلق مزمن أو قلق عام، ونشعر بالعجز والخيبة أمامها.
أكثر الأخطاء التي يقع فيها المصابون بالقلق والتوتّر:
·
ظنّهم أنّ مادام هناك فكرة في بالهم فهذا يعني أنهم سينفذون ما “يخطر في بالهم” دون وعي منهم مثلا: تأتيك فكرة “ماذا لو فقدت عقلك وجننت وبدأت تقطع ملابسك في الشارع”، هذه مجرد فكرة مارة ربما رأيتها في فيلم أو حكى لك عنها شخص، لكنّك تظن أن مادام هذه الفكرة خطرت في بالك يعني أنّ لاوعيك سيتحكم بك وتفقد السيطرة…
·
ظنّهم أنّ كل فكرة تخطر في بالهم وكل سيناريو يمّر عليهم يستحق الاهتمام وإعارته الانتباه والتحقق منها كأن تتساءل الأم بعد تأخر ابنها قليلا ماذا لو حصل له حادث؟ ولا تترك الفكرة تمّر لكنها تصدقها وتتخيل أنّ مافيا يعلّقونه في مكان مهجور ويقومون بتعذيبه واعطائه المخدرات وأنه يصرخ ويستنجد… فيما ابنها يستمتع بوقته مع اصدقائه…
· محاولة التخلص من الفكرة ومقاومتها، وهذا عكس ما هو متوقع يقوم بتغذية الفكرة وتضخيمها، وأشبّه هذا كأن تفتح عينيك على منظر لا تريد رؤيته وتأمر دماغك ألّا يرى وعينيك مفتوحتين، أو كأن أقول لك الآن لا تفكر في فيل وردي، لماذا خطر في بالك فيل وردي مع أنني أمرتك ألّا تفكر فيه؟؟!! فالذهن لا يخضع لأوامرك المباشرة هو يعمل ويشتغل ويأخذ أوامره من انتباهك وعندما تأتيك فكرة وتقول في نفسك تجاهلها ولا تهتم بها وكأنّك تشير لها وتنبهه للتركيز معها فيضخمها.
الآن وقد تعرفنا على الأخطاء التي قد نقع فيها في التفكير وجذور مشاعر القلق وخطورة هذا التشوه المعرفي، هذه أهم الوسائل العلاجية النفسية التي ذكرها ديفيد بيرنز في
كتابه شعور جيد للتخلص من القلق وتجاوزه واستعادة السيطرة على أفكارنا:
أهم التقنيات النفسيّة الفعّالة للتخلّص وعلاج القلق والتوتّر الدائم:
§ تقنية السهم العمودي The Vertical Arrow Technique:
هذه التقنية تساعدك على معرفة وإيجاد جذور معتقداتك التي تسبب لك الخوف والقلق، وهي أن تتساءل
بعد الفكرة ” ماذا لو…؟” ب “وماذا بعد؟” وتتبعها حتى تصل نهايتها، مثلا تأتيك فكرة ماذا لو فشلت في الاختبار؟ تضع سهم للاسفل وتتساءل ماذا بعد؟ سأفشل وأسقط في المادة…وماذا بعد؟ سأعيد السنة … وماذا بعد؟ سأتأخر في التخرج ولن أجد عمل بسرعة أحصل على المال… وماذا بعد؟ سأصبح عالة على أهلى وأشعر أني مهان أمام الناس، هنا وصلت لمعتقد هو جذر أغلب الأفكار المقلقة وهو أنّك تأخذ تقديرك الذاتي من نتائجك ونظرة الناس إليك… هذه التقنية فعالة جدا لأنّنا في أغلب الأحيان نتوقف أمام أول سيناريو يخطر في بالنا ونعتبره كارثي ولا ننظر إليه بموضوعية، وعندما تتبع أقوى فكرة إلى الآخر ثم تتقبل ما سيحدث ستفقد الفكرة قوتها وتغير انتباهك.
§ تقنية التجريب The Experimental Method:
وهي أن تقوم بتجربة الفكرة التي تخاف منها مثلا أنت تخاف أن تفقد السيطرة على نفسك، حاول أن تفقد السيطرة وأن تتصرف كالمجنون، هكذا ستقنع دماغك أنه حتى وإن أردت أنت أن تفقد السيطرة لن تستطيع ذلك…
§ تمارين مهاجمة الخجل Shame Attacking Exercise:
هذا تمارين لمن يعاني من رهاب الاجتماعي هو أن تقوم بشيء غير مقبول اجتماعيا في مكان عام، مثلا تخاف أن تبدو غبي وممل حاول أن تجد أكثر نكتة مملة واطرحها في الجماعة وراقب وخاطب أنه لم يجصل شيء حتى بعد القيام بهذا وأن حياتك لم تنته …
§ التحليل للفوائد والسلبيات Cost-Benefit Analysis:
وهو تمارين فعال جدا للتعامل مع طرق التفكير، اسأل نفسك كيف ستفيدك هذه الطريقة التي تفكر بها؟ التفكير و توقعك دائما الأسوأ وتكتب الفوائد من هذا التفكير، ثم تسأل نفسك ما ضرر هذه الطريقة على مشاعرك وصحتك ونتائجك في الحياة واكتبها ثم قارن بين الفوائد والسلبيات…
§ التقبل المتناقض The Acceptance Paradox:
عند شعورك بالقلق أو تنتابك نوبة هلع، قد تزيد الوضع سوءا عندما تقول لا يجب أن أشعر بالقلق… أشبّه هذه الطريقة كأنّك تصب البنزين على النار، أنت تغذي الفكرة بالانتباه فيقوم الدماغ بتعميمها وتثبيتها في ذاكرتك، فيما تقبل القلق سيخفض المقاومة لما حدث ويساعدك على تجاوزه في وقت أسرع، وطريقة لزيادة تقبّلك هو أن تكتب حوار تخيلي بينك وبين شخص غريب حاقد يمثل الجانب الناقد داخلك وهو يحاول أن يحبط معنوياتك ويحطم ثقتك بنفسك، عندما تخاطبه وتجيبه بمنطقية وبثقة سياسعد على زيادة ثقتك بنفسك.
نصائح عامة للتعامل مع الافكار المقلقة ومع ذهنك:
o اعتبر ذهنك كشيء مستقل عنك، أعطه اسم فكاهي، سمّه “شوشو” أو باسم شرير من فيلم تحبه أو شخص مزعج تعرفه أو سمّه علي “اسمي جيد أيضا” ، وعندما تحضرك فكرة مقلقة خاطبه وقل له ” ها قد بدأت تزعجني، دعنا من حديثك هذا” عندما تبدأ في اعتبار دماغك كشيء خارجي مستقل يفقد قوته وسيطرته عليك.
o تخيّل أنّك تركب في سيارة أجرة ولا تستطيع توقيف المذياع، تخيل ذهنك وأفكارك كمذياع لا تستطيع إيقافه وعليك تجاهله طوال الطريق، تقبّل صوت المذياع السيء وحاول الاستمتاع بالطريق مع الوقت ستشعر أنّك لا تسمعه.
o ضع سوار مطاطي في ذراعك، وكلّما تأتيك فكرة مُقلقة أو تشعر بالقلق اضرب يدك به، هذا التمرين مع ممارسته يجعلك واعي أكثر للأفكار ومنتبه لأي فكرة قد تتسلل لك…