Table of Contents
هل تساءلت يوما عن أصل البكتيريا والفيروسات؟؟من أين جاءت هذه الكائنات الدقيقة التي نكرهها؟؟
1. نحن وباقي الكائنات:
أظنك شاهدت من قبل أحد الأفلام الوثائقية حول الحياة في البرية، غزال يهرب من أسد في مطاردة تعني الحياة أو الموت بالنسبة له، أو شاهدت كيف يتسلل الفهد تحت الأعشاب لينطلق بأقصى سرعته اتجاه فريسته، وكيف تتلون الحرباء لتحاكي لون الوسط الذي تعيش فيه وتموه عن نفسها، وغيرها من الأمثلة التي لا تحصى… قد تأخذك الرأفة بالغزال كيف يمزق الأسد أشلاءه ويأكله وهو حي، لكن كلنا نعلم أن هذه هي الحياة، هذا هو قانون الطبية البحث عن البقاء.
نحن أيضا نتبع هذا القانون، قد يكون الأولوية القصوى في حياتنا “البقاء” يتجلى في كل تصرفاتنا، من العمل والزواج وانجاب الأبناء، نحن نريد البقاء حتى بعد موتنا من خلال أبنائنا الرغبة في البقاء، التي تغلبت على كل القيم الانسانية لدينا، جعلتنا نصاب بالعمى، جعلتنا غافلين، وأصبحنا كائنات عنصرية جدا، كائنات لا ترى إلا نفسها وبقاءها، ولا تريد ولا تستطيع فهم باق المخلوقات.
نحن عنصريين جدا، هل فكرت يوما في أشياء غير أكلك، وصحتك، وحياتك، وأحبائك وبقائك؟!! هل فكرت يوما كيف ستبدو الحياة بغير عيونك؟!! كيف يرى غيرك الحياة؟!! أو تجاوزت هذا لتفكر كيف ترى باق الكائنات الحياة؟! كيف هي الحياة بدونك؟!! ماهي الحياة؟!! أم أنك مشغول! … بحجة أن الحياة قصيرة لنتأملها والبقاء صعب ويأخذ كل انتباهك وطاقتك؟
2. أصل البكتيريا والفيروسات:
البكتيريا والفيروسات… قد تهلع عندما تسمع لأول مرة هذه الكلمات، لأن سماعها ارتبط لديك بالخطر والخوف من المرض، لكن البكتيريا هي كائنات حية مثلنا، تعيش وتقتات وتتكاثر بأسلوبها كما نفعل نحن، وتريد البقاء مثلنا نحن.
قد تستغرب، وتستنكر، وتتساءل وتقول تريد أن تقارنني مع البكتيريا؟!!!!! هذه الكائنات المجهرية العفنة التي تقتل الملايين من الناس كل سنة؟!! وهي والفيروسات تهدد البقاء البشري وتريدنا أن ننظر إليها برأفة؟!! ونجتمع مع كورونا في طاولة مستديرة وتنفاوض معه؟
إهدأ … تنفس … هذه هي العنصرية التي كنا نتحدث عنها، دعني أخبرك بعض الحقائق والنظريات العلمية التي ستغير لك نظرتك عن الموضوع وقد تساعدك في التخلص من القلق.
-قبل ثلاث مليارات سنة، “ربما لم تكن ولدت حينها”، بدأت الحياة على وجه الأرض في شكل بكتيريا، محاطة بغشاء ومكونات داخلية تساعدها على التأقلم مع الوسط، انقسمت هذه البكتيريا مع ملايين السنوات الى عدة انواع، تشكل من أحد هذه الانواع حسب الضرورة الطبيعية غشاء داخلي كي يساعد على هضم الأغذية أصبح يسمى بالنواة، ومنها تشكلت أول خلية حية، ومع ملايين السنوات من التطور ابتلعت هذه الخلية بكتيريا من النوع الذي ينتج الطاقة ويستعمل الاكسجين، في ظاهرة فسرتها أروع النظريات العلمية البيولوجية تسمى بالEndosymbiosis ومن هنا بدأت قصة غرام أول جدة لنا التي كان أصلها بكتيريا ووقعت في غرام بكتيريا أخرى وتزاوجوا وعاشوا سعداء لليوم … هذا الاندماج الذي حصل ساعد الخلية الأم على توفير الطاقة وساعد البكتيريا على الحصول على الغذاء ومن هنا نشأ تعاون متبادل بينهما وأصبحت البكتيريا المهضومة تعرف اليوم بالميتوكوندري، وهذه الخلية المتشكلة هي ما يشكلك الآن.
– لا أريد أن أصيبك بالذعر، لكن انت تظن أنه بعد غسل يديك تخلصت من كل البكتيريا والفيروسات، في الحقيقة نعم ستتخلص منها في يديك، وخاصة الضارة منها، لكن الخبر الصادم أنه لولا وجود البكتيريا في أمعائك لضعف جهازك المناعي و جعلك هذا عرضة للكثير من الأمراض القاتلة ولنقصت المعادن الضرورية والفيتامينات والهضم المناسب للأغذية، وهذا كله تقوم البكتيريا داخل جهازك الهضمي أو ما يسمى ب microbiome المتكونة من قرابة 1000 نوع من البكتيريا وهي أكثر منطقة كثافة للبكتيريا على مستوى العالم هي داخل أمعائك صديقي “الأمور مكتظة داخلك” ويقدر عددها ب100 مليار بكتيريا في الغرام الواحد من سائل أمعائك، في منفعة متبادلة بينك وبينه تعيش داخلك وتوفر لك ما تحتاجه من فيتامينات ومعادن وحماية.
– الأمر الغريب الآن، أنها لا تتواجد فقط في أمعائك ولا في جهازك الهضمي… بل في كل أنحاء جسمك منها الضارة ومنها النافعة منها المستقرة ومنها عابرة السبيل “تأخذ استراحة لديك”، وتقديرات اجمالي عدد هذه البكتيريا مقارنة بعدد الخلايا في جسمك هي 10 من 1، أي عشر أضعاف عدد خلايا جسمك، هذا يعني يا صديقي أني لو رأيتك بالمجهر سأرى بكتيريا مع القليل منك، أو بكتيريا تضعك أنت كمسحوق تجميل … استنتج من هذا أنك ليس فقط مجرد بكتيريا بل بكتيريا عنصرية أيضا
بعد أن تحدثنا قليلا عن البكتيريا وما تشكله من جسمك سنتحدث عن:
3. الفيروسات ودورها وأصلها:
إذا كنت شاهدت المسلسل الشهيرLa casa de papel فأظنك لاحظت عبقرية فكرة سرقة دار الصك الملكي، عبقرية الفكرة تكمن في أخذ أموال دون سرقة أي شخص من خلال السطو على مركز طباعة الأموال وانتاج الكميات التي تريدها، فلماذا سرقة المنتج إذا كان عليك الاستيلاء على المصنع وجعله يعمل لصالحك…
إذا كنت استوعبت الفكرة، فهذا ما تفعله الفيروسات بالضبط، لا يستطيع الفيروس التكاثر لوحده بل يحتاج إلى مضيف، يدخل الخلية ويترك المبرمج الخاص به يعبث بحواسيب الخلية، وتلتصق جيناته بجينات الخلية فتتغير خصائصها، وتتحول إلى مصنع تنتج فيه هذا الفيروس…
الفيروسات … صارت الآن موضوع الساعة، الجميع يتحدث عنها، هذه الكائنات المجهرية استطاعت أن ترعب العالم كله وتحجزنا في البيت … من أين أنتجت هذه الكائنات؟! وما مصدرها؟! وهل فعلا ندرك ماهيتها ونراها بموضوعية أم أن نظرتنا قاصرة؟! وما وجه الشبه بيننا وبينها؟!!
الفيروسات هي كائنات بسيطة جدا، تتكون من جينات وغشاء بروتيني يحيط بها، ونظرا لبساطتها لا تصنف ككائنات “حية” كونها لا تركب شيء ولا تتكاثر ولا تقوم بعمليات معقدة، فهي تعتمد بشكل كلي على مضيفها للبقاء والتكاثر…”فهمت قبل ملايير السنوات أنها ستعاني في البحث عن الشريك المناسب، وشقة و ومصروف والدبلة والبلا بلا … فقررت الهناء وبقيت سنجل” وجد العلماء صعوبة كبيرة في تحديد مصدر الفيروسات، نظرا لأنه لا توجد حفريات يمكن دراستها وتحديد عمرها، لذا ركز الباحثون على تحليل الجزء الرئيسي في كل فيروس “الجينات” وتتبع توافق الجينات مع الكائنات الحية الأخرى ومقارنتها مع بعض وتقدير عمر الفيروس من خلال عمر الكائن الحي الموافق له كيف ذلك؟!!
تترك بعض الفيروسات بصمتها وجيناتها على كل كائن تصيبه وحتى بعد الشفاء من الفيروس قد تستمر بقاياه في الكائن الحي ومن هنا وجد الباحثون أن نسبة 8% من جيناتنا نحن البشر هي من الفيروسات أي أن قرابة 100 ألف قطعة من جيناتك عبارة عن جين فيروسي ” ربما لهذا أنت “سنجل””، من خلال تتبع هذه البصمات الجينية التي تركتها الفيروسات اقترح العلماء ثلاث فرضيات حول أصلالفيروسات:
- الفرضيةالأولى: بما أن الفيروسات هي أبسط الكائنات على وجه الأرض، فربما هي أول من استعمر الأرض قبل أكثر من3.7 مليار سنة “لا أظنك تتذكر هذا الحدث كنت صغير جدا”، من خلال عضيات صغيرة تتكاثر من تلقاء نفسها، وامتلكت خاصية السطو بعد أن ظهرت باق الخلايا الحية المقعدة، ورجح البعض أن الخلايا نشأت من اتحاد الفيروسات مع بعض من خلال ظاهرةEndosymbiotic وتشكيل جينون أكثر تعقيدا الذي أصبح فيما بعد يشكل الدعامة الوراثية للخلايا الحية …
- الفرضية الثانية: ترجح أن أصل الفيروسات هي من الخلايا الحية، بما الخلية تنقسم باستمرار ، والدنا داخل الخلية يتضاعف وينقسم، اقترح الباحثون أن بعض الجينات انفصلت عن الجينوم الأصلي وأحاطت نفسها ببروتينات وخرجت من الخلية على شكل فيروس”لم يعجبها شغل الخلية والزحمة قررت العيش لوحدها …ربما…”
- الفرضية الثالثة: تم بناء هذه الفرضية على أساس نوع من الفيروسات اسمها ميمي فيروس “أنا لا أمزح اسمه ميمي ولا تحرجني وتسألني لماذا سموه هكذا” هذه الفيروسات تصيب أحد أنواع الطفيليات، وهي فيروسات ضخمة جدا ويحتوي عدد ضخم من الجينات حتى اكثر جينات من بعض البكتيريا، وأثناء دراسة جيناتها وجد الخبراء أنها تحتوي علىجينات مخصصة لتركيب البروتين، مع أن الفيروسات لا تركب البروتين، ومن هنا تم استنتاج أن الفيروسات ربما كانت كائنات معقدة بكتيريا أو خلية وفقدت تعقيدها لتكتسب هذه الخصائص…
ببساطة كانت هذه أهم الفرضيات لنشوء الفيروسات، قد تسألني ما حالي أنا وحال أصل الفيروسات ومليارات السنوات قبل هذا؟! مالذي سيفيدني معرفة هذا؟!
اهدأ يا صديقي … تنفس …أحسنت …معرفة أصل الفيروسات سيفيدنا في تحديد خصائصها وإيجاد لقاحات وتطوير علاج مضاد لها، قد تجيبني هذا ليس عملي، هذا عمل الخبراء مالذي سأستفيده أنا شخصيا … أعلم يا صديقي أنك لم تتنفس جيدا …ألا تدرك ما فعلناه هنا؟!! نحن نتحدث عن شيء كان يرعبك، ويصيبك بالهلع… اعلم أن الخوف يتغذى على الجهل والغموض، عندما تزيح الستار عن الغموض يختفي الخوف … كذلك يعلم العلماء أن الإجابة على هذه الأسئلة قد يفك لنا أعقد الألغاز متى بدأت الحياة وكيف نشأت؟؟؟؟!!! قد تجيبني أنك لا تعلم هل ستعيش أم لا لمعرفة إجابة هذه الأسئلة لذا أنت تركز على لقمة يومك … وهنا وصلنا لبيت القصيد …
البقاء…هل فكرت يوما كيف ستبدو حياتك لو كنت فيروس؟!! سؤال غريب وغبي ومضحك…ستخرج كل صباح بحثا عن مضيف لك يحميك من التسول ويدعك تتكاثر داخله، وتنتقل عن طريق السعال أو الجنس من مستضيف لآخر، تبدو حياة روتينية سعيدة …
دعني أسألك الآن… مالفرق بينك وبين الفيروس؟!! أظن أن الفرق الوحيد أنك تحتاج شريك “ودبلة وبلا بلا …”لتتكاثر، الكل يبحث عن البقاء، الفيروس مثلك يريد البقاء، وأنت وسيلته للبقاء، هو لا يريدك أن تموت لأنه سيموت معك لكنه يسيء التقدير أحيانا، مثلما نفعل تماما مع الكرة الأرضية نحن فيروسات تستضيفنا ونتكاثر داخلها ونستغل خيراتها لكننا مضرين لها…
لا تسئ فهمي هنا، أنا لا أقول اترك نفسك للعدوى ومت بالفيروسات، أنا أشارك نظرة كنا معميين عنها، قد تساعدنا في ادراك الواقع والحقيقة بشكل أفضل…
هذه الكائنات “البكتيريا والفيروسات” لا تشارك معنا الحياة فقط، هي جزء منا، من لب أجسادنا، من جيناتنا، من أصلنا، منها من يفيدنا ويقينا من الأمراض ونتبادل مصالح مشتركة معه، ومنها من يريد البقاء ولو على حسابنا…
لكن الفرق الوحيد الذي سيكون بيننا وبينها، هو قدرتنا على اعطاء أسئلة مشابهة ل” كيف نشأت الحياة؟!! ومحاولة الإجابة عنها”.
Comments 1