Table of Contents
دعنا نتحدّث عن الدوبامين، يسميه البعض بهرمون السعادة، نال شهرة واسعة في الآونة الأخيرة بين الاوساط العملية من خلال دوره الفعاّل والرئيسي كأحد أهم هرمونات الدماغ والجسم، لكن لماذا؟؟ ماهو الدوبامين؟؟ ما
دوره؟ كيف يتحكم هذا الهرمون بسلوكك وأفكارك ويسيطر على حياتك دون أن تعلم؟؟ وكيف تستغل الميديا والاعلام والشركات الكبرى والحكومات هذا الهرمون والأبحاث حوله للتلاعب بسلوكك وتوجيهه؟
قضيت الأشهر الماضية في الدراسة والبحث ومحاولة إيجاد إجابات دقيقة لهذه الاسئلة
المعلومات التالية التي سأذكرها إذا غفلت عنها في هذا العصر فأنت ضمن 90 بالمئة من القطيع الذين يتم قيادتهم والتلاعب بهم من البيولوجيا البشرية من جهة ومن الخبراء الذين فهموا هذه الأسرار من جهة أخرى…
1. تجربة على الفئران
في خمسينات القرن الماض، قام كل من ميلنر وأولد بتجربة أصبحت مرجع رئيسي في علم الاعصاب والبيولوجيا العصبية، حيث أدخلوا إلكترودات دقيقة داخل أدمغة جرذان جائعة، ووضعهم في قفص وتعليمهم الضغط على زر يمرر تيار كهربائي إلى الاكترودات وبالتالي تحفيز مناطق معيّنة في الدماغ…
اكتشف الباحثون من خلال التجربة المناطق المسؤولة عن المتعة والتحفيز في الدماغ أهمها septal area…
لكن ما أثار انتباهي في التجربة أنّه رغم جوع الفئران وعطشها وتوفر الأكل والشرب بقربها، بقيت لساعات متواصلة تضغط على زر التحفيز بمعدل دقة كل ثانيتين وأصبح هذا الجهاز هو أولويتها القصوى وكأنّها قد وجدت ضالتها وتتجاهل الأكل والشرب وحتى العقاب…
بقيت هذه الفئران تضعط على الزر حتى الموت…
هذه الدراسة بيّنت شيء خطير جدا… أنّ نظام المتعة والانجاز في الدماغ يمكن تحفيزه اصطناعيا، وهذا التحفيز يمكن أن يؤثر ويتحكم في السلوك لدرجة كبيرة، تماما مثلما يحدث في مختلف أنواع الإدمان…
لو اعطيتني انتباهك قليلا الآن، ستفهم أنّ هذه التجربة حلّت لغز كبير في فهم السلوك، يمكن التحكم في السلوك من خلال نظام الانجاز والمتعة في الدماغ، اذا عرفنا الآن ما يؤثر في هذا النظام في الدماغ سنعلم المشاعر التي سيحررها وبالتالي السلوك الذي يتبعه، وقد درس علم الاعصاب البيولوجي بدقة هذا النظام ومؤثراته…وهذه الأسئلة التالية هي بالضبط ما سأجيبك عنها في نهاية الفيديو
هذه التجربة تم القيام بها على الحيوانات، أنت لست فأر طبعا… لكن ماذا حدث عندما كرّرو هذه التجربة عند الانسان؟ ماهي هذه المؤثرات التي تسيطر على دماغك؟ كيف يوازن الدماغ بين المتعة والألم؟وإلى أيّ حد يمكن استغلال هذا التوازن للتلاعب بنا والتحكم بحياتنا؟
الدوبامين هو هرمون وناقل عصبي يفرز من الدماغ بشكل أساسي، ومن الكلى والجهاز الهضمي والغدة الكظرية، مسؤول عن الحركة والتحفيز والرغبة والمتعة وإدراك الزمن…
لاحظ العلماء أنّ الفئران التي يتم تعديلها جينيا ولا تفرز الدوبامين أي الغياب الكلي للدوبامين لن تبحث عن الاكل وستجوع حتى الموت حتى لو وضع الاكل انشات فقط من فمها، لكن اذا تم ادخاله في فمها ستمضغه ويبدو عليها الاعجاب به…
مالذي يعنيه هذا؟؟ وماعلاقته بنظام المتعة والألم في الدماغ؟ وكيف يتحكم الدوبامين بحياتك؟
عندما ترتفع درجة الحرارة في الجسم ستتوسع الاوعية الدموية وستنفتح مسامات الجلد وتبدأ في التعرّق … وفي حالة انخفاض درجة الحرارة سيحدث العكس تماما ستنقبض الاوعية الدموية وتتقلّص العضلات اللونية وتشعر بالقشعريرة، بهذا يحافظ الجسم على مستوى حرارة ثابت مناسب للجسم، وهكذا يفعل أيضا مع معدّل السكر وجميع الهرمونات في الجسم، بخلق نظام والحفاظ عليه والتعديل في المتغيّرات كي لا يحدث خلل في هذا النظام، تماما مثل الميزان التقليدي عندما ينحاز إلى دفّة… سيكون عليك وضع ثقل في الدفّة المقابلة كي يعود الذراع الى الاستقامة أو حالة التوازن الأولية وهذه العملية تسمى بالهوميوستايسيز…
2. لكن كيف يحدث هذا مع الألم والمتعة؟؟ مالمسؤول على هذه العملية؟ ولماذا يوجد هذا النظام في الجسم؟
تخيّل أنّك اخترعت روبوت متطوّر جدا، وتريد أن تجعله يلبي احتياجاته بنفسه… بحيث تغرس فيه نظام يسيطر على الطاقة لديه، يخفضها ويزيدها على حسب تلبيته لهذه الاحتياجات كأن يشحن نفسه عندما ينفد منه الشحن ويبعتد عن الأشياء التي قد تعطّله كالمياه مثلا … فيقوم بتعديل هذا السلوك بناءا على هذا النظام
هذا بالضبط ما يحدث لدى الانسان، نظام المتعة والألم لدينا يجعلنا نحب ونفضّل الأشياء التي قد تنفعنا وتبقينا على قيد الحياة ككائنات ويجعلنا أيضا نبتعد عن الأشياء التي قد تضرّنا أو تهدد حياتنا، فنحن نميل إلى الأشياء الحلوة والدسمة لأنه يوما ما قبل آلاف السنوات أثناء ندرة الغذاء كان الحصول على الكربوهات والدهون يشكل مصدر غني للطاقة إضافة إلى الجنس وتمرير الجينات لأنّها تساعدنا على البقاء وننفر من الأشياء المقززة والمضرّة التي لا تخدم بقاءنا… هذا النظام يخضع للهوميوستايزيس كي يبقي على التوازن بين أطرافه أي المتعة والألم…
هناك مستوى قاعدي للدوبامين في الدماغ، عندما يتم تحفيزه طبيعيا يزداد افرازه ثم يعود الى مستواه القاعدي من جديد، وهكذا تتكرّر العملية، لكن ماذا لو تم تحفيزه بقوة ولمدة كبيرة من الوقت؟؟
بعد أن قام كل من ميلنر وأولدز بتجربتهم الشهيرة على الفئران تم تكرار نفس التجربة بغرس الكترودات داخل دماغ الانسان في ستينات القرن الماض، رغم الاشكالية الاخلاقية التي طرحتها التجربة إلا أنّ الباحثين برّروها بمحاولة ايجاد علاج فعال للأمراض النفسية …
وضعت الالكترودات في مراكز مختلفة من الدماغ، تم عزل المريض الذي يعاني من مرض الشيزوفرينيا منذ طفولته في غرفة مغلقة خالية من أي تشتيت خارجي وطلب منه أن يضغط على الزر مرتين فقط إذا شعر بالألم وثلاث مرات إذا لم يشعر بشيء ويستمر بالضغط عليه إذا شعر بمتعة…
وعلى أساسها تم تحديد المراكز المسؤولة عن المتعة في الدماغ والتي كانت مشابهة لحد بعيد مراكز المتعة للفئران وهي الSeptal area …
لماذا دماغك مشابه لدماغ الفأر يا صديقي؟؟
وضع الأكل أمام المريض الذي كان قد صام لمدة سبع ساعات قبل التجربة لكنّه فضّل الاستمرار في الضغط على الزر عوضا عن الأكل…
وتذكر بعض المصادر الشارحة للتجربة “التي لم أجدها في النص المتبقي من البحث” أنّ الأشخاص الذين تم تكرار التجربة عليهم شعروا بحاجة ملحة للضغط على الازرار ورغبة ملحة للجنس لكن بدون متعة أو اورغازم وكذلك اختبروا مشاعر من القلق…
بسبب الدواع الأخلاقية لهذه التجارب لم يتم تكرارها حديثا على البشر…
مالذي يعنيه هذا؟
الدوبامين هو هرمون التحفيز والسعي والمكافأة، هو ما يعطينا الحماس للقيام بالأشياء التي قد تنفعنا، أي أنّه يعطيك الوعود والتوقع للحصول على مكافأة كبيرة عندما تقوم بفعل معيّن، فتتحمس أنت للفعل وبمجرد قيامك به يتناقص مستوى الدوبامين ويتناقص احساسك بالمتعة، وتشعر أنّ عليك القيام بالمزيد وتكرار الفعل كي تحصل على نفس المتعة …
3. لكن ماذا لو حصلنا على الدوبامين بسهولة؟؟ ماذا لو قمنا بالتحايل على نظام المكافأة لدينا وأخذنا طرق مختصرة للحصول على المتعة؟؟
هناك توازن طبيعي في ادراك الدماغ للمتضادات كالمتعة والالم، عندما يتم التحفيز القوي والطويل للدوبامين، ستميل كفّة الميزان الى جهة المتعة بقوّة ثم بعدها بساعات تستعيد توازنها من خلال وضع الثقل في جهة الألم، مع تكرار هذا يتناقص المستوى القاعدي للدوبامين عن الطبيعي، ويصبح الميزان منحاز لكفة الألم…
وعندما نقوم بالتحفيز القوي للمتعة مثل المخدرات، نشعر بمتعة أعظمية على الأمد القصير ثم يتناقص مع الوقت شعورنا بها وتزداد حساسيتنا للألم، ومع التعرّض المستمر والمتكرر لنفس محفّزات المتعة، ينحرف لا تقلق لست أنت من ينحرف يا صديقي ميزان المتعة والألم للدماغ في اتجاه الألم، وتصبح كفة المتعة أخف وأضعف وكفة الألم تصبح أثقل وأقوى في عملية يسميها العلماء بالتأقلم العصبي أو النوروأدابتايشن… ومع التحفيز القوي والمتكرر يصبح الألم أكبر وأكبر وتضعف المتعة أكثر وأكثر ونصبح بحاجة أكثر لمخدر أو محفز لنحصل على نفس التأثير والنتيجة…
على المستوى العصبي عندما نحفز بقوة مركز المكافأة تتناقص حساسية المستقبلات لهرمون الدوبامين، فيشعر الشخص بألم شديد ويصبح هدفه الوحيد هو أن يعود له شعور “انه طبيعي” من جديد فيزيد من كمية المحفزات وتزداد معها كمية الالم وهكذا دواليك…
وهنا صديقي نكون قد دخلنا في ما يسمى بالادمان…
إذا لم تتمعن جيدا في قيمة هذه المعلومات دعني أخبرك خطورتها على حياتك…
4. كيف تستغل الميديا والاعلام والشركات الكبرى والحكومات هذه المعلومات، للتحايل والتلاعب بنظام المكافأة في دماغك لجعلك تنحاز لما يريدونه؟؟
-يمكن ان يتم افراز الدوبامين مباشرة بعد الايحاء او توفر شرط كان سبب في رفع الدوبامين سابقا سواء اكان مكان أو صوت أو رائحة أو شيء وبمجرد أن يتوفر هذا الايحاء لافراز الدوبامين مثلا تعودت في طريقي للعمل المرور قرب محل الحلويات، يقوم الدماغ بتخفيض مستويات الدوبامين الى اقل من الطبيعي لأن الدماغ يفرز الدوبامين في الحالة العادية دون تحفيز بكميات طبيعية، فينخفض الدوبامين تحت مستواه الطبيعي وهذا التحول المفاجئ للدوبامين هو ما يحفزني للبحث عن المكافأة أي الحلوى كي أشعر بالمتعة من جديد لأنّني تعوّدت على شراء الحلويات في هذا الشارع وهذا الميكانيزم هو ما يحفز الرغبة او الكرافينغز
يقوم بعدها الدماغ ببرمجة الذاكرة طويلة الامد بناء على تحفيز الدوبامين من خلال تغيير شكل وحجم العصبون على سبيل المثال الدوندريت تصبح أكثر طولا وعددا وهذه التغيرات قد تدوم طوال الحياة…
الدوبامين هو هرمون الارادة والرغبة والتنبؤ بحدوث اشياء نريدها هو ليس هرمون الاشباع أو الرضى، اذا وقعنا في فخ الدوبامين يمكننا نسير لايام في رحلة صيد طيور نتنبأ بايجاد الصيد الوفير، أو قبلة نهاية موعد، او ساعات من التسوق بحثا عن شيء جديد، أو ساعات من تصفح الشورتس والفيديوات القصيرة بحثا عن شيء مسلّ، وقت طويل مع العاب الفيديو، قضاء وقت طويل في تصفح صور البورن بحثا عن الفيديو الاكثر اثارة، او الغمار بحثا عن فرصة العمر…
اذن فالدوبامين نفسه هو ما يحفزك، أنت لا تبحث عن الجنس أو الشوكولاطة بحد ذاتها أنت تبحث عن المتعة التي يوفرها لك جهاز الانجاز لديك، لو تلاحظ ياصديقي اقتصادنا كله مبني على إفراز الدوبامين عندما تذهب للسينما مثلا وتشتم رائحة البوب كورن يزداد مستوى الدوبامين لديك، كذلك عندما تقف لك امراة عارية على سيارة مارسيدس يشير هذا الى دماغ الثديات أن الجنس والمكانة الاجتماعية والمال هنا… يا لها من صفقة! وعندما تتجدد لك الاعلانات لشركة منتجات عالمية ويريك التحوّل من الألم إلى المتعة ومن الحزن إلى السعادة بعد استعمالك للمنتج وتكرار هذه الاعلانات والتجديد والتحديثات المستمرة تجعلك تشعر بالدونية والنقص إذا لم تلبي المعايير التي توجهك لها الميديا… كل هذه الاستراتيجيات تستغلها الشركات الكبرى والحكومات للتلاعب ببيولوجيا دماغك وتوجيهك لسوكات دون وعي منك
كيف تستعيد السيطرة على حياتك من جديد؟؟ وكيف تعيد برمجة دماغك كي تحقق أهدافك وتعيد النظام إلى حياتك؟؟
Comments 1